✍️ قصة قصيرة — تأليف: فاروق الغمراوي
أنا نادر عمران.
كنت فنان.
كان اسمي لما يتقال الناس تفرح،
وكانت الشهرة وقتها بتجري ورايا مش أنا اللي بجري وراها.
كنت واقف على المسرح، الناس تصقف،
وأقول في سري: أنا خلقت عشان اللحظة دي.
لكن كل بريق له عمر.
والنور لما يطفي، محدش بيشغّله تاني.
فجأة كل حاجة اتقلبت،
التليفونات بطّلت ترن،
والناس اللي كانت بتضحك في وشي،
بدأت تبص الناحية التانية.
---
اشتغلت فرد أمن في مول كبير.
بدلة غير مريحة، وخوذة تقيلة على رأسي.
كنت واقف على الباب، أفتكر أيام كنت نجم.
الناس اللي كانت بتطلب تتصوّر معايا،
دلوقتي بيعدّوا من جنبي ومش عارفينني.
المرتب 5000 جنيه.
كنت بقول لنفسي: أهو أي شغل يستر.
لكن الحقيقة إن الفلوس كانت بتتبخر.
كل حاجة بتغلى، وكل يوم يبلع اللي قبله.
سجاير، أكل، دواء، مواصلات…
واللي يتبقى، ما يكفيش حتى أقول “الحمد لله”.
---
لما الموبايل القديم باز،
اضطريت أجيب موبايل جديد بالأقساط.
قالولي: “ما تقلقش، البرامج دي هتسهل حياتك.”
بس اللي حصل إنها عقدتها أكتر.
كل شهر مطلوب مني أدفع أكتر من اللي في جيبي.
أول ما المرتب يدخل، يطير كله قبل ما ألمسه.
---
وفي وسط ده كله… أمي مرضت.
هي كانت الدنيا بالنسبالي.
صوتها، دعوتها، ضحكتها…
كل حاجة فيها كانت بترجع لي إحساسي إن لسه ليّ لازمة.
ولما وقعت، أنا وقعت معاها.
سبيت الشغل عشان أقعد أرعاها.
قلت: “ماينفعش أسيبها لوحدها.”
بس الأيام كانت تقيلة،
والهم بيكبر، وأنا بضعف.
الأكل ما بقاش ليه طعم،
والجسم بدأ يدوّب حتة حتة.
حتى سناني فوق… راحت.
اضطريت أشيلها عشان أركب طقم،
والدكتور قال التركيب مجاني.
ضحكت.
بس ما كملتش،
مش لأني مش قادر…
لكن لأني ماعنديش تمن المواصلات أروح وأرجع.
---
الليل بقى صاحبي الوحيد.
بس صاحبي اللي بيوجع.
كنت أقعد بعد ما أمي تنام،
أطفي النور، وأسمع صوت نفسي وأنا بتنفس.
الساعة تمشي ببطء، والليل ما يخلصش.
أفكر في كل حاجة راحت،
وأقول لنفسي:
> “فين نادر اللي كان الناس تستنّاه؟
فين البريق اللي كان مالي الدنيا؟
هو أنا فين أصلاً؟”
---
في ليلة تقيلة، كنت مرهق من التفكير.
أمي نايمة وصوت نفسها تعبني.
بصيت لنفسي في المراية،
وشّي باين عليه الهزيمة.
قلت بصوت مسموع:
> “بلا كرامة بلا هباب… الكرامة جابت لي إيه؟
أنا ما بقيتش قادر حتى أعيش.”
مدّيت إيدي على الدرج،
طلعت ورقة وقلم.
كتبت سطر واحد:
> “سامحيني يا أمي.”
---
الورقة فضلت في إيدي،
والليل ساكت،
والصمت تقيل لدرجة الخنقة.
حسّيت إن كل حاجة جوايا بتهدى…
مش راحة، لأ،
سكون ما قبلهش في حياتي.
---
قعدت كتير.
ماعرفش عدّت دقيقة ولا ساعة.
كنت بفكر في “نهاية كل ده”.
مش خوف،
ولا غضب،
بس فراغ كبير قوي…
زي حفرة جوا الروح.
---
الساعة كانت قربت على الفجر.
قمت، مشيت خطوتين ناحية المراية.
بصّيت لنفسي،
وشّي هادي بشكل غريب.
وساعتها...
وقف كل شيء.
---
ما حدش عرف نادر عمل إيه بعد كده.
بس في الليلة دي،
كان خلاص…
واقف على الحافة.
---
(حقوق النشر محفوظة للشاعر والكاتب فاروق الغمراوي — ديوان «خواطر المسكين»، قسم «مسرح الوجع»)