قصة امرأة عاشت الحياة بين الفقد والألم

0


 من طفلة جائعة إلى امرأة منهكة



في سن العاشرة، بدأت الحكاية. طفلة وُلدت في أسرة فقيرة، مكوّنة من أبٍ عاطل لا يعرف سوى النوم، وأم تقاتل وحدها لتطعم ثمانية أبناء. كانت الطفلة الثالثة بين إخوتها، لكنها حملت نصيبًا أثقل من الجميع.


في بيتٍ يضيق بأهله، كان الجوع سيد الموقف. لجأ الأطفال إلى سطح المنزل، حيث وجدوا بصلًا مخزنًا، وخبزًا ناشفًا معدًا للطيور، وبضع حبات بطاطس. أكلوا ما وجدوه ليبقوا أحياء، بينما أمهم غائبة في عملها، وأبوهم غائب حتى وهو جالس بينهم.


ولأن الفقر لا يرحم، دفعت الأم بابنتها الثالثة للعمل خادمة وهي ما تزال طفلة. تحولت من اللعب إلى غسل الصحون وترتيب البيوت، حتى انهكها العمل وسقطت منهكة، فعادت إلى أمها مريضة ومحطمة.


لكن الحياة لم تمنحها فرصة للراحة. انتقلت الأسرة مرة أخرى، وأُجبرت البنت على العمل في مصنع شاق، مخصص للشباب. انهارت شقيقتاها ولم تستطيعا التحمل، لكنها قاومت وحدها خمس سنوات كاملة، لتكون السند الوحيد لأمها.


ومع أول خيط حب طرق قلبها، صدّقت أن الحياة قد تبتسم أخيرًا. تزوجت من شاب وسيم أسرها بكلماته، لكنها اكتشفت سريعًا أنه خائن وعنيف. لم يكد يمضي شهر العسل حتى تحولت حياتها إلى ضرب وإهانة. وحين عادت ذات يوم إلى بيتها وجدت امرأة غريبة في غرفة نومها. صرخت، فكان رد الزوج أن كسر ذراعها وأغرق جسدها بالكدمات، رغم أنها كانت حاملًا في شهرها الثاني.


هربت إلى بيت أهلها، وأنجبت طفلها الأول، ثم ساومها الزوج على شهادة ميلاده مقابل الطلاق. تنازلت عن حقوقها كلها، فقط ليحصل ابنها على اعتراف بأبوته.


بدأت من جديد، تزوجت مرة ثانية، أنجبت طفلين، ثم طلّقت. عملت في المصانع وفي كل ما يمكن أن يوفر لقمة عيش، حتى دفعتها الظروف القاسية إلى الملاهي الليلية، ثم إلى الرقص، ثم إلى شرم الشيخ حيث جمعت مالًا وافتتحت كافيه. لكن القدر لم يمهلها طويلًا، فسقط كل ما بنته، وعادت إلى القاهرة لا تملك سوى حقيبة ملابس.


ولم تيأس. تزوجت للمرة الثالثة، وأنجبت ثلاثة آخرين، ليصبح عدد أبنائها ستة. لكنها تُركت وحدها مرة أخرى، تواجه الحياة بأعبائها الثقيلة، بعدما تخلى عنها أزواجها السابقون ولم ينفق أحد على أبنائه.


اليوم، بعد خمسة وأربعين عامًا من المعاناة، لا تزال تلك الطفلة التي بدأت رحلتها بالجوع تحمل على كتفيها أثقال العمر. تمشي ساعة ونصف يوميًا على قدميها لتوفّر أجرة المواصلات، فقط كي تضمن لأبنائها لقمة يسدون بها جوعهم.


إنها قصة طفولة مسروقة، وشباب ضائع، وأمومة مثقلة بالهموم. رحلة من الألم لم تنتهِ بعد، لكنها تظل شاهدة على امرأة لم تهزمها الحياة، مهما اشتد عليها الظلم.



التصنيفات:

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.
إرسال تعليق (0)

#buttons=( أقبل ! ) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتعزيز تجربتك. لمعرفة المزيد
Accept !