أقصوصة: أنا والوَحدة

6

 

أقصوصة: أنا والوَحدة _بقلم فاروق الغمراوي 


بقلم: فاروق الغمراوي


الليل المره دي ماكانش طويل…

بس كان شكله غريب.

مافيهوش لا هوا ولا دفء، كأنه واقف بيتفرج على "فاروق" من بعيد،

وشكله بيقول له: “إيه؟ لسه صاحي؟ ما نِمتش تاني؟”


قاعد على نفس الكرسي الخشبي اللي كل حاجة فيه بتحكي عمره.

الكرسي بيزيِّن كل سكوت بصرخة خفيفة لما يتحرّك.

قدّامه كوباية شاي بردت من كتر ما الحكايات خلصت.

والمروحة بتزنّ بصوتها الرتيب،

زي صوت الحيطة لما ترد على الوحدة بصبر.


فاروق بيمدّ إيده ناحية الشاي،

يقرّبه من بُقه،

بس قبل ما يشرب، يضحك ويقول:

– هو في حد بيشرب لوحده غيري؟


يبتسم بسمة صغيرة... متعبة،

ويسيب الكوباية تاني.


النور الأصفر اللي طالع من اللمبة القديمة بيغسل وشه،

بيبان عليه تعب سنين، مش يوم.

وشه اللي اتغيّر من كتر التفكير،

وصوته اللي بقى شبه الهمس.


الوحدة كانت قاعدة قدّامه…

مش مجرد إحساس، لا،

كأنها ست حقيقية، لابسة طرحه رمادية،

وشايلة في إيديها حكايته كلها.

بتبُص له من غير كلام.

وهو، كالعاده، بيحاول يفهمها،

لكن هي دايمًا تفوز بالسكوت.


بصّ في الإزاز اللي قدّامه،

شاف وشه،

بس الوش اللي في المراية ما كانش هو.

كان ظلّه، أهدى، أضعف،

كأنه نسخه من روحه اللي زهقت.


مدّ صباعه ولمس الإزاز،

برده صدمه،

وقال لنفسه في همس:


> “بكايا وضحكي وسكوتي وأحلامي وأنا لوحدي،

ماحدش مرّة جيه وقال لي:

أنا وياك عَ الأيام،

غير الحزن مع قهري.”




الكلمات خرجت كأنها راجعة من بعيد،

من زمن فات وساب طعمه.

ضحك بعدها ضحكة قصيرة،

ضحكة مالهاش لازمة،

وقال وهو بينفخ في الهوا:

– هو أنا فعلاً لوحدي؟

ولا خلاص اتعودت؟


الوحدة دي بقت زَيّ النفس،

مش بتسيبه لحظة.

بيصحى يلاقيها نايمة جنبه،

يخرج يلاقيها ماشية وراه،

ترجع معاه البيت من غير ما يندهها.


قال كأنه بيحكي لصاحبه:

– يا عم، الناس فاكرة الوحدة دي وجع…

بس بعد وقت، بتبقى عشرة.

تتعود على صوتك لوحدك،

تتعود تضحك لنكتة محدش قالها،

وتعيّط من غير سبب،

وساعتها تفهم إنك مش محتاج جمهور…

إنت بس محتاج نفسَك.


راح ناحيه الشباك،

بصّ على الشارع الفاضي.

المطر بينقّط على الرصيف،

والناس بتمشي بسرعة،

كل واحد شايل وحدته على كَتفه، بس بيخبيها كويس.


همس وقال كأنه بيكلم ربنا أو نفسه:

– يمكن أنا ماكنتش لوحدي أصلًا،

يمكن هي اللي كانت معايا من الأول،

بتربيني على الصبر،

وبتعلّمني أعيش من غير سند.


قعد تاني على الكرسي،

نَفَسه بقى أهدى،

وابتسم بسمة صغيرة حقيقية المره دي،

وقال:

– خلاص… أنا وهي اتفقنا.

هي تفضل معايا،

وأنا أبطل أزعل منها.


ولما اللمبة ارتعشت والنور خفّ،

سكت.

بس المرة دي كان السُكوت فيه سلام.

مش وجع.

كان شبه حضن من غير كلام.


التصنيفات:

إرسال تعليق

6 تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.
إرسال تعليق

#buttons=( أقبل ! ) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتعزيز تجربتك. لمعرفة المزيد
Accept !