«أبوالعلا البشرى» ملحمة «دون كيشوت»

هوايات
0


 فى عام 1605، نشر الكاتب الإسبانى «ميغيل دى ثيربانتس» الجزء الأول من روايته «دون كيخوتى»؛ التى تداولها العرب باسم «دون كيشوت»؛ وبعد نحو عشرة أعوام 1615؛ قدم الكاتب للأوساط الأدبية الجزء الثانى من الرواية التى حققت نجاحا مدويا. أحداث تدورحول البطل «ألونسو كيخاتو» الذى أوشك على الخمسين من عمره؛ وكان مولعا بقراءة كتب الفروسية؛ ومن فرط طيبته؛ كان يصدق كل كلمة يقرأها فى هذه الكتب التى لا تمت للواقع بصلة؛ فقد «ألونسو» عقله نتيجة لقلة النوم والطعام وكثرة القراءة.. وعلى ذلك قرر أن يترك منزله؛ وعالمه؛ وعاداته؛ وتقاليده؛ وأن يخرج للعالم بشخصية الفارس الذى يبحث عن المغامرات؛ وإنقاذ الأبرياء؛ وأخذ يتجول بفرسه الهزيل ودرعه القديم؛ ليوصف فيما بعد بـ«فارس الظل الحزين».


حققت الرواية نجاحا عاش لمئات السنين؛ لدرجة أن كاتبًا فى حجم عميد الأدب التليفزيونى؛ العظيم الراحل أسامة أنورعكاشة استلهم من أحداثها مسلسل « رحلة السيد أبوالعلا البشرى»؛ الذى قدم سنة 1985؛ أى بعد 380 سنة من إصدار الجزء الأول من الرواية؛ وبعد عشر سنوات قدم مسلسل «أبوالعلا 90» سنة 1995؛ أى بعد 380 عاما أيضا من إصدار الجزء الثانى من الرواية، وكتب على تيتر المسلسل بالاتفاق مع المخرج الكبير محمد فاضل صاحب فكرة العمل؛ أن المسلسل مستوحى من رواية؛ دى ثيربانتس.


1- فكرة فاضل


بحكم علاقة الصداقة القوية التى جمعت بين المخرج الكبير محمد فاضل؛ والكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة؛ كانت تجمعهما جلسات كثيرة؛ يتحدثان ويتناقشان ويبتبادلان الأفكار؛ وفى إحدى المرات؛ أبدى فاضل اهتمامه بالرواية؛ بالإنسان المثالى الذى يلعب بطولتها؛ استهوته فكرة المحارب ذى السيف الخشبى الذى يحارب طواحين الهواء ظنا منه أنها الأعداء؛ ومثلما أبدى فاضل اهتمامه؛ أبدى أسامة اهتماما مماثلا بالرواية؛ لكن حتى هذه اللحظات.. لم يكن الأمر يخرج عن إطار «الفكرة».


المخرج الكبير محمد فاضل؛ قال لى ماذا حدث بعد ذلك الاهتمام المتبادل بينهما ( كنت وقتها فى اليونان أقوم بعملية المونتاج لمسلسل ليلة القبض على فاطمة؛ وجاء أسامة من مصر إلى اليونان؛ وقضى معى نحو أسبوع؛ كنا فى النهار نعمل؛ أنا فى المونتاج؛ وهو فى الكتابة؛ ونجلس سويا بعد العمل لنقرأ ما كتبه؛ فى المسلسل الذى اختار له اسم رحلة السيد أبوالعلا البشرى؛ والحقيقة أن أسامة صاغ الحلقات بحرفية شديدة؛ ورغم ابتعاد الأحداث تماما عن الرواية الأصلية؛ لكننا قررنا وفقا لأمانتنا المهنية أن نشير لأنها مستوحاة من رواية ميغيل دى ثيربانتس؛ ووضعنا فى تيتر المسلسل صورا من غلاف الرواية؛ بعد تفريغه؛ وقام بمهمة مونتاج التيتر المخرج جمال عبدالحميد؛ وكانت التجربة الأولى له وأنجزها بكفاءة متناهية؛ وبعد عودتى إلى مصر بدأنا العمل الجدى فى المشروع).


2- العملاق.. والأبطال


منذ كتابة الحلقات الأولى من المسلسل؛ اتفق الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة؛ والمخرج الكبير محمد فاضل؛ على أن يلعب بطولة المسلسل؛ الفنان الكبير العملاق محمود مرسى؛ لم يكن هناك وقتها من يستطيع تقديم شخصية «أبوالعلا البشرى» سواه، وبالانتهاء من مرحلة الكتابة تم إرسال الحلقات التى وافق عليها النجم الكبير من الوهلة الأولى.


وبعد الاستعانة ببطل المسلسل؛ وافقت الفنانة كريمة مختار على تقديم دور «نعمات»؛ وتم تسكين بقية الأدوار، بالنجوم «محمود الجندى؛ محمد وفيق؛ نسرين؛ عبد المنعم إبراهيم؛ محمد توفيق؛ هالة فاخر؛ وميرفت زكريا؛ وهى رئيس طاقم الطائرة المصرية المنكوبة التى كانت عائدة من باريس؛ ووقت اختيارها كانت طالبة فى الجامعة؛ لكن بعد انتهاء دراستها الجامعية؛ قررت العمل كمضيفة طيران؛ وانقطعت علاقتها نهائيا بالوسط الفنى.


 


وبدوره وافق المطرب على الحجار على المشاركة فى بطولة المسلسل بدور «محسن»، وكانت التجربة الأولى له فى التمثيل؛ وبدأت علاقته بالمخرج الكبير محمد فاضل؛ عندما كان الأخير يصور مسلسله «أبنائى الأعزاء شكرا» 1979؛ وكانت الفنانة مشيرة إسماعيل إحدى بطلات العمل؛ وفى ذلك الوقت كانت بداية زواجها من على الحجار؛ الذى كان يغضب بسبب المواعيد؛ قبل أن يغنى تيتر مسلسل «وقال البحر» بعدها بثلاث سنوات.


وتردد أن الفنانة صفاء أبوالسعود؛ والمذيعة الكبيرة نجوى إبراهيم اعتذرتا عن لعب دور «نجوى» ضمن أحداث المسلسل؛ وبعد اعتذارهما؛ ترشحت الفنانة المعتزلة نسرين؛ وهو ما نفاه المخرج الكبير محمد فاضل جملة وتفصيلا؛ مؤكدا أن الدور لم يعرض إلا على نسرين.


3- دماء محمود مرسى


بدأ المخرج الكبير محمد فاضل تصوير المشاهد الداخلية للمسلسل بكاميرات التليفزيون العادية؛ التى كان من الصعب التصوير بها فى مهمات التصوير الخارجى؛ لكون الكاميرات كانت ذات حجم كبير علاوة على كونها ثقيلة جدا؛ ولهذا كانت المشاهد التى يتم تصويرها خارجيا؛ يتم الاستعانة فيها بكاميرا خاصة بالسينما؛ وبعد انتهاء التصوير يتم تحويل ما تم تصويره إلى صيغة الفيديو.


وجرى التصوير بشكل عادى؛ إلى أن جاء مشهد الخطوبة؛ وكان من المفترض بحسب المشهد الذى كتبه أسامة أنور عكاشة، أن يعتدى أحد أفراد الفرقة الموسيقية «الطبال» على أبو العلا البشرى؛ ويقوم بضربه بالدف على رأسه فيقطع ويصير حول عنقه؛ وأثناء تصوير المشهد تقرر أن يقدم شخصية الطبال مساعد المخرج أحمد البدرى الذى أصبح مخرجا شهيرا فيما بعد؛ وتم تجهيز الدف وترقيقه بحيث لا يجرح محمود مرسى؛ وتم عمل بروفة على المشهد بدون الضرب بالدف فوق رأسه؛ ومع بداية التصوير وكما هو متفق عليه؛ ضرب أحمد البدرى محمود مرسى بالدف فاخترق رأسه ورقبته؛ إلى هنا والأمور عادية؛ لكن البدرى حاول التجويد بسحب الدف من رقبته؛ وأثناء محاولة خلعه؛ كانت حوافه حادة جدا لدرجة أنها أصابت الفنان الكبير محمود مرسى بقطع كبير فى الأنف وسالت الدماء من وجهه.


ماذا فعل محمود مرسى؟، وكيف تصرف المخرج الكبير محمد فاضل ( أصاب أحمد البدرى بدون قصد؛ قصبة أنف محمود مرسى بجرح قطعى؛ وقتها قلت استمروا فى التصوير؛ كون ما حدث مفيدا دراميا؛ وبعد أن قلت ستوب؛ وجدنا نافورة من الدماء تسيل من الجرح؛ وذهبنا به إلى المستشفى جريا؛ واستلزم الأمر عمل خياطة؛ وحصل محمود مرسى على غرزتين فى أنفه وتم وضع ضمادة كبيرة حول الأنف؛ والحقيقة لم يبد غضبه من أحمد البدرى؛ كونه يعلم أنه لم يقصد إصابته وأن ما جرى كان عفويا؛ لكن كانت المشكلة التى واجهتنا هى مشكلة الراكور؛ ولهذا بعد عودته من الإجازة التى بلغت خمسة أيام بدأت التصوير من زوايا مختلفة حتى لا تظهر مشكلة الإصابة؛ بينما المشاهد التالية لمشهد الخطوبة أفادتنا الضمادة دراميا؛ كونه كان يتعرض دائما للعنف بسبب تدخلاته المثالية).


4- أحداث الأمن المركزى


ترك المسئولون فى التليفزيون المصرى؛ للمخرج محمد فاضل حرية تسليم المسلسل فى الوقت الذى يحدده؛ فلم يكن المسلسل مقيدا بموعد لعرضه؛ وعلى ذلك كان فاضل غير متعجل بالمرة؛ وبدأ فى مرحلة المونتاج بمنتهى الأريحية؛ وكان أحيانا يترك العمل بالمسلسل كما أخبرنى لإنجاز مهمات فى أعمال أخرى.


وفى مكتب المنتج الكبير حسين القلا؛ كان المخرج الكبير محمد فاضل يجرى جلسات عمل مسلسله الجديد «عصفور النار»؛ وفوجئ بطلب رسمى من التليفزيون بضرورة تسليم الحلقات لعرضها أثناء حظر التجوال الذى فرضته الحكومة بعد أحداث التمرد الشهيرة بـ«أحداث الأمن المركزي»؛ وبالفعل أنجز فاضل المهمة بنجاح واستعان بالموسيقار الكبير عمار الشريعى لوضع الموسيقى التصويرية وألحان التيتر؛ كما تم الاتفاق مع الخال الشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودى لكتابته؛ فخرجت تحفتهما الفنية «متمنعوش الصادقين من صدقهم»، وقام على الحجار بتسجيل الأغنية.


 


حقق المسلسل نجاحا كبيرا؛ ونسبة مشاهدة مرتفعة جدا؛ لكونه كان يعرض أثناء حظر التجوال من ناحية؛ ولكونه عملا فنيا جيدا التف الناس حوله؛ لمشاهدة مغامرات «رحلة السيد أبوالعلا البشرى».


5- أبوالعلا 90


لا يحب المخرج الكبير محمد فاضل اعتبار مسلسل «أبوالعلا 90» هو الجزء الثانى لـ«رحلة السيد أبوالعلا البشرى»؛ بينما يراه أقرب لكونه مسلسلا منفصلا؛ وبدأت فكرة الجزء الثانى –أو المسلسل الآخر- بترك الكاتب الكبير الراحل لنهاية الجزء الأول مفتوحة بنية أبوالعلا السفر إلى باريس لإنقاذ أفراد عائلته.


وبعدها بنحو 10 سنوات انتهى الكاتب الكبير من كتابة حلقات «أبوالعلا 90»؛ وقدمها للتليفزيون المصرى؛ كونه الذى أنتج وعرض الجزء الأول؛ لكن كما قال لى المخرج الكبير محمد فاضل؛ لم يتحمس المسئولون فى التليفزيون المصرى لإنتاج المسلسل؛ الذى قرر مؤلفه ومخرجه اللجوء إلى الإنتاج الخاص؛ وبالفعل تحمست شركة «الماسة» التى يملكها المنتج هشام عبدالخالق؛ لإنتاج المسلسل الذى كان باكورة إنتاجه؛ ووقعوا العقود، وأثناء التصوير كان وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف يقوم بجولة على استوديوهات التصوير؛ وقال كيف لهذا العمل ألا ينتجه قطاع الإنتاج التابع لاتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى؛ وقرر أن يكون المسلسل إنتاج قطاع الإنتاج وأن تكون شركة «الماسة» مجرد منتج منفذ للعمل؛ وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك.


وعن الفارق بين العملين كون كل منهما يرصد المجتمع المصرى ويؤرخ لفترة زمنية بدأت من الثمانينيات؛ وانتهت فى الجزء الثانى فى التسعينيات قال المخرج الكبير محمد فاضل (العنف الذى كان موجودا فى ثمانينيات القرن الماضى اختلف تماما عن العنف فى فترة التسعينيات؛ فالمجتمع أصبح أعنف؛ وتحولت أدوات العنف إلى مسدسات وآلات حادة قد تؤدى إلى الموت؛ علاوة على أن الفساد كان قد توحش؛ فقرر أسامة رصد المتغيرات التى طرأت على المجتمع من عنف وفساد ووقعها على الشخصيات الدرامية؛ وفى أبوالعلا 90 اعتذر على الحجار عن عدم المشاركة؛ فقمت بالاستعانة بمدحت صالح؛ واعتذرت صابرين لانشغالها؛ فكانت وفاء صادق هى البديلة؛ وحل رشوان توفيق محل نبيل الدسوقى الذى وافته المنية قبل تصوير العمل؛ وأثناء التصوير «أتزنقنا» فى أغنية يجب أن تضاف للدراما ليغنيها محمود مرسى مع الأطفال؛ ووقتها كان عمار الشريعى مشغولا بزحام شغل رمضان؛ فقام صلاح عبدالله بكتابتها؛ واستدعيت هانى شنودة لتلحينها؛ وتمت إضافتها للمسلسل).


6- أنا.. والرقابة!


كتب أسامة أنور عكاشة مشهدا يجمع بين الفنان الكبير محمود مرسى والفنان محمد متولى؛ يذهبان للسؤال عن شخص معين فى منطقة شعبية أو عشوائية؛ فيستدرجهما أحد الأشخاص لمكان مهجور ويسرق كل ما معهما حتى ملابسهما الداخلية؛ وقال لى فاضل إن محمود مرسى لم يعترض على أداء المشهد؛ فهو فى الأساس كان مخرجا؛ ويعرف كيف يطيع المخرج وينفذ وجهة نظره؛ لكن عندما فاتحه أنه لن يرتدى سوى «سليب» قال له مازحا «يامحمد» وأخذ فى الضحك!!..


صور فاضل المشهد بالفعل؛ لكنه فوجئ بالرفض الرقابى (أنا صورت المشهد ووضعت عليه علامة الرقابة لتغطى على الجزء العارى من جسديهما؛ ورفضت الرقابة عرضه؛ لكننى أصررت على العرض؛ فأخبرونى أن بإمكانهم حذف المشهد؛ فأخبرتهم أن حذف المشهد سيعرضهم لمسئولية لأن جهة الإنتاج تملك حق العمل ماديا؛ لكن أدبيا فالعمل ينسب لمخرجه؛ ولا يجوز أن يتم الحذف دون موافقته وعلى ذلك لم يتم حذف المشهد وعرض كما تم تصويره).


7- الأبنودى وعمار


فى الجزء الأول من المسلسل؛ كتب كلمات التيتر الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى؛ ووضع الألحان عمار الشريعى؛ لكن مع عمل الجزء الثانى كان الشاعر الكبير الراحل والموسيقار الكبير الراحل قررا ألا يتعاونا ثانية بعد أن دخلا فى حالة من الصدام والمشاحنة استمرت لنحو 23 سنة كاملة؛ وعندما سألت فاضل عن سبب استبدال الأبنودى والاستعانة بالشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم؛ وهل كان بسبب خلاف عمار مع الأبنودى قال لى إنه لا يعرف عن خلافهما شيئا؛ وإنما كانت كلمات الجزء الأول تعبر عن المرحلة؛ وفى العمل الثانى قررنا أن تكون الكلمات مناسبة له فاستعنا بالشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم؛ وبما أن مدحت صالح هو المشارك بدلا من على الحجار فكان من الأولى أن يقوم هو بغناء التيتر).

المصادر: بوابة الفجر

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.
إرسال تعليق (0)