كواليس فيلم "القاهرة 30"


 


قال المخرج الكبير محمد عبدالعزيز إن صلاح أبوسيف هرم من أهرامات مصر العظيمة، فهو كمخرج وكأستاذ لم يعوض، وتاريخه السينمائى ناصع جدا، (اختارنى لأكون مساعدا أول فى فيلم «القاهرة ٣٠»، علمت بذلك عندما أرسلت لى شركة «القاهرة للسينما» التى يرأسها المنتج جمال الليثى بأول عمل أكون فيه مساعدا أول، وذهبت إلى مقر الشركة، لم أجد صلاح أبوسيف هناك، لكن قابلت جمال الليثى، وأخبرنى بأمر الفيلم، وأنه أول أعمال صلاح أبوسيف بعد تركه لشركة «فيلمنتاج» التى حرمته من الإخراج لمدة ليست بالقصيرة، ثم سألنى عن الأجر، فقلت له الأجر الذى تحدده، فأمر بتحرير عقد كان أجرى فيه بواقع ٢٥٠ جنيها، بعدها خرجت وتركتهم فى الداخل يجهزون العقد وشيكًا بمقدم التعاقد، وهنا جاء صلاح أبوسيف «شوف يا أخى كانوا بيربونا ويعلمونا إزاى»، سألنى وقعت يا محمد، فأجبته بالإيجاب؛ فقال لى «مضيت بكام» قلت له الرقم، فوجدته مستاء، فقال «لا مش ده المبلغ اللى المفروض تاخده»، الحقيقة أنا فرحت وقلت المبلغ هيزيد وسيصل إلى ٣٠٠، وأخدنى ودخل إلى مكتب جمال الليثى وقال له «أيه المبلغ ده يا أستاذ جمال ده كتير جدا كفاية ٢٠٠ جنيه»، فقال جمال الليثى لقد وقع وانتهى الأمر والعقد تم تحريره فقال له «مزق هذا العقد وليوقع على عقد آخر بأجر ٢٠٠ جنيه فقط»، الحقيقة كنت مندهشا، ويبدو أنه لمح الدهشة على وجهى فقال: «الفلوس فى بداية حياتهم ممكن تفسدهم، لازم ياخد الأمور خطوة خطوة»، ثم نظر لى وقال: «فى بداية حياتك الفلوس مش كل حاجة»، ووافق جمال الليثى على اقتراحه ومزق العقد وحرر عقدا جديدا بالأجر سالف الذكر؛ وخرجت من هذا الفيلم بخبرات وتجارب تساوى آلاف الجنيهات).


 


بعد أن وقع محمد عبدالعزيز عقده، أصبح رسميا مساعدا أول لصلاح أبوسيف فى فيلم «القاهرة ٣٠»، وهنا بدأ المخرج الكبير الراحل فى تكليفه ببعض المهام، وكانت المهمة الأولى فى غاية الصعوبة ( طلب منى عمل دراسات كاملة عن القاهرة سنة ١٩٣٠، تشمل كل شىء شكل الإعلانات فى الشوارع، شكل الشوارع نفسها، الأحزاب السياسية، القوانين، وبالفعل أنجزت هذا البحث فى ثلاثة أشهر وكأننى باحث لرسالة دكتوراه أضنته التفاصيل، وقتها شغلنى هل سور جامعة القاهرة كان موجودا بالفعل أم لا، وبعد رحلة من البحث عثرت على صورة فى أرشيف الأهرام لسنة ٣٠ لوفد أجنبى التقط صورة وخلفهم سور الجامعة، أذكر لك ذلك لتعلم إلى أى مدى كان صلاح أبوسيف حريصا على الدقة المتناهية والاهتمام بجميع التفاصيل، كان لا يترك شيئا إلا ويخضعه للدراسة).


وقال المخرج الكبير محمد عبد العزيز أن الإعداد لفيلم «القاهرة ٣٠» استغرق نحو عشرة أشهر (بدأنا الإعداد فى يناير ١٩٦٥ وبدأنا التصوير فى نوفمبر من العام نفسه، وقتها أخبرنى أن بطل الفيلم هو حمدى أحمد، وطلب منى عدم البوح بهذا السر إلا قبل أيام من التصوير ونفذت رغبته كما طلبها، وللعلم كان عبد المنعم إبراهيم يريد أن يقدم دور «محجوب»، وقال لى: «أنا يا محمد أقدر أعمل دور محجوب عبدالدايم، ليه الأستاذ صلاح مجابنيش واختار حمدى أحمد وهو لسه فى بداياته»، وأخبرت صلاح أبوسيف رغم صداقتى الكبيرة مع حمدى أحمد، لكن أخبرته من باب الأمانة وتوصيل صوت عبد المنعم إبراهيم، فقال لى إن دور محجوب من الأدوار التى تقدم مرة واحدة بالعمر ومن الممكن أن الممثل الذى يقدمه لا يتم الاستعانة به فى أى عمل بعده؛ لكن للحق فقد قدمه حمدى أحمد ببراعة).


بعدها أوكل المخرج الكبير الراحل صلاح أبوسيف بمهمة أخرى لمساعده الأول محمد عبد العزيز (كان وقتها قد أخبر المنتج جمال الليثى أنه سيستعين بالفنانة فاطمة رشدى والفنان يوسف وهبى لعمل مشهد غادة الكاميليا، وسافر إلى الإسكندرية وطلب منى الذهاب إليها وشرح المشهد بالتفصيل؛ وكان الإنتاج متعثرا فى التوصل لعنوان فاطمة رشدى إلى أن وجدوه وأعطونى إياه، وذهبت إليها وأخبرتها أننى جئت بناء على رغبة الأستاذ صلاح أبوسيف؛ وشرحت لها المشهد، فصمتت قليلا ثم قالت «إحكى لى الفيلم كله»، فبدأت أحكى لها تفاصيل الفيلم، وبعد أن انتهيت صمتت وكان الغضب باديا على وجهها ثم قالت لى: « فين صلاح؟»، أخبرتها أنه سافر إلى الإسكندرية، فقالت: «قول لصلاح فاطمة رشدى بتقول يا إما دور إحسان شحاتة – البطلة – يا بلاش»، ولم تنس فاطة رشدى أنها كانت بطلة فيلم العزيمة سنة ١٩٣٩ بينما كان صلاح أبوسيف مساعدا للمخرج كمال سليم فى ذلك الوقت، وبعد ذلك استعان بسهير المرشدى لتقدم الدور).


 


سأل المخرج الكبير محمد عبدالعزيز عن ترشيح الفنانة شادية لدور البطولة وأنها أهدت الفيلم للفنانة سعاد حسنى بعد أن أخبرها طبيبها بأنها تنتظر مولودا من زوجها الفنان صلاح ذوالفقار، فقال لى إن الأمر عار تماما من الصحة ( أنا كنت من المساعدين المطلعين على جميع التفاصيل منذ بداية كتابة العمل وحتى عرضه، وشادية لم تترشح من الأساس للعب بطولة هذا الفيلم، المرشحة الأولى كانت سعاد حسنى، وكانت تمثله على مضض، وللعلم فقد صورنا أول ١٨ يوما من الفيلم دون سعاد حسنى، وخلالها جاءت الفنانة نادية لطفى تزورنا أكثر من مرة وكان أملها أن تقدم الدور الذى لا تفضله سعاد، لكن صلاح أبوسيف أخبرها أن الدور لن تقدمه أى ممثلة سوى سعاد، وبعد فترة كنا نصور فى أحد شوارع الزمالك وبالتحديد فى العاشرة مساءً وكان منزل سعاد فى شارع يحيى إبراهيم خلفنا مباشرة وكان أول يوم تصور فيه، جاءت وهى فى حالة نفسية سيئة جدا، غاضبة ومتبرمة، ودخلت إليها لتحفظ أول لقطة من دورها، فوجدتها على هذا الحال من الغضب، فقلت لها «هذا الدور سيضاف إلى تاريخك» فقالت لى: «أنا مبحبش الأدوار التقيلة والجمهور كمان مش بيحبها»، ووقتها كانت بالفعل تقدم أفلاما خفيفة؛ فقلت لها «صدقينى هذه الأدوار تاريخ مشرف لك»، ويشاء الله أنها فى العام التالى مباشرة تقدم «الزوجة الثانية» والفيلمان من أعظم ما قدمت سعاد حسنى).


 


اختار المخرج الكبير صلاح أبوسيف قصر محمد على بشبرا لتصوير مشهد بعد الحفل الذى أقامته الفنانة بهيجة حافظ التى كانت تقدم دور إكرام هانم نيروز، وكان العمل بموقع التصوير شاقا (كان قصر محمد على مهجورا تماما رغم كونه تحفة معمارية، جددنا وركبنا ستائر للحوائط؛ وأصر صلاح أبوسيف أن تكون هناك نافورة تحيط جزيرة من الرخام؛ واستعنا بسباك لإعادة ترميم السباكة لتوصيل المياه، وعندما بدأنا فى ملئها انقطعت المياه عن شبرا بالكامل؛ وأراد تصوير لقطات من ارتفاع كبير ولم يستطع الكرين الحصول عليها، فاستخدمنا سلم عربة المطافئ، وكتب وقتها الحوار لبهيجة حافظ باللغة الفرنسية على أن تقرأها بالعربى لتكون اللغة أشبه بالعربى المكسر).


ولم ينس المخرج الكبير محمد عبدالعزيز مشهد إقناع الفنان أحمد توفيق «سالم الإخشيدى» لحمدى أحمد «محجوب عبدالدايم»، بقبول الزواج من سعاد حسنى «إحسان شحاتة» (بدأنا بروفات هذا المشهد من الثامنة صباحا لوقت طويل لدرجة أنه تم تصويره فى الخامسة مساء وكان المشهد عبارة عن لقطة واحدة طويلة جدا بها ميزانسين وأحجام وتكوينات مختلفة لهذا المخرج العظيم، وقد تم تصوير الفيلم فى محطة سكة حديد القناطر وتم بناء ديكورات باستوديو نحاس وشوارع الزمالك).


مصادر: محمد مسعود بوابة الفجر



إرسال تعليق

أحدث أقدم