مقتطف من ورقتي المشاركة


 في المشترك الثقافي العربي 

حينما يفقد الناس أوطانهم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، تبقى الثقافة هي من تحملهم ويحملونها في حلهم وترحالهم بمثابة وطنهم البديل بها يستحضرون أطياف أوطانهم الحبيبة وعلى أجنحتها يحلقون في الفضاءات الرحيبة، فضلا عن أن الثقافة هي النافذة الممكنة للتواصل والتعارف والتفاهم والحوار في هذا الكوكب الإنساني الذي بات شديد التقارب والانكماش. والتراث هو محور كل ثقافة ومعينها الذي لا ينضب، ففيه تستودع الشعوب قيما وعاداتها وتقاليدها وأنماط حياتها ورموزها التي تتجلى أساليب الطعام والأزياء والفنون وعادات الزواج ومراسم الاحتفالات وكل ما يسمى بالفولكلور الشعبي.
وثمة علاقة متواشجة بين الثقافة والتربية والتعليم، فالفكر التربوي أيا كانت طبيعته ومنحاه- هو أداة الحضارة ووسيلتها في تخليد ذاتها وضمان انسيابها وتناقلها بين الأجيال، والحضارة هي " الرحم الحي للفكر التربوي" ورغم أهمية الثقافة ودورها في التنمية البشرية، تبقى التربية هي أهم أدواتها ووسائلها في التنمية المستدامة وهي بذلك أوسع نطاق من التعلم والتعليم ذلك لأنها "تتناول الفرد في عمقه وفي سائر طبقات شخصيته وعاداته وانفعالاته وعواطفه وغرائزه الفطرية، إذ تتجه التربية إلى أعماق الذات الإنسانية وهي بذلك سابقة على كل تعلم ومرافقة لكل تعليم ومتصلة في عملية تنمية الإنسان وتثقيفه باستمرار من المهد إلى اللحد، ومن ثم فان التربية هي مهمة أستراتيجية وشاملة ومسئولية عامة تضطلع بها، الأسرة والدولة والمدرسة والمجتمع. وغاية التربية هي تنشئة الإنسان، أما بواسطة الأسرة: مدرسة المشاعر الأولى. وأما بالتعليم. وليس التعليم سوى ذلك الفرع من التعلم الذي يهدف إلى تثقيف الإنسان وإكسابه القدرة على تكوين الأحكام الصحيحة في المجتمع والقدرة على السلوك والتصرف في مواجهة المواقف والممارسات اليومية في خضم الحياة الاجتماعية بأفعال وانفعالات ومواقف حكيمة وحليمة وذكية وأكثر إنسانية.
وفي تجربة عملية لتلك النظرية المهمة يمكن الإشارة إلى نجاح مهرجان يوم التراث الثقافي العربي الصيني، الذي نظمته مدرسة الصداقة العربية الصينية في كوانجو عام 2019  تحت شعار (الرحيل على طريق الحرير) حيث امتزجت عادات وتقاليد وفنون العرب المقيمين في الصين في فنون الطبخ والزي والرقص في مشهد كرنفالي أدهش الصيين إذ تذوق المشاركين خيرات المطبخ  المصرية الفول والكشري، والموخية والمحشي و الشامي الشهية في الخيمة الشامية : التبولة الشامية -المقلوبة الفلسطينية -ورق العنب -المنسف -المحلاية السورية - الكنافة -شيش برك، وفِي الخيمة المغربية واليبية الطاجن والكسكسي والكعك والمشبك والشاي وشربة الحرير، وفِي الخيمة اليمنية، الصيادية، واللحوح والمعطف، والعريكة والصانونة والروتي، والزربيان العدني والسلتة والفحسة وبنت الصحن اليمنية والمندي والمخمود، وشاهي عدني وقهوة مجلجل وهريسة الخ وفِي الخيمة السودانية، الكسرة والعصيدة، والقدراصة والفول والشيه،.. وغيرها من الاطباق الشعبية العربية الشهية من مختلف الدول المشاركة، كما شاهدوا عروض تراثية جميلة من الأزياء والفنون الشعبية العربية في مشهد كرنفالي باذخ الروعة والجمال ويوم التراث العربي الصيني المصهر الذي تنصهر فيه التربية والتعليم والتعلم في بوتقة إبداعية رائعة هي عرسنا الثقافي الذي يبقى في قلوب وعقول التلاميذ والتلميذات بعد نسيانهم لكل شيء. وذلك هو معنى الثقافة في أخر المطاف؛ انها ما يبقى بعد نسيان كل شئ
بقلم د.قاسم المحبشي 



إرسال تعليق

أحدث أقدم