شباك الخداع

3 دقيقة قراءة
0
"شباك الخداع"




 في تلك المدينة الصغيرة، حيث الجميع يعرف بعضهم البعض، عاش إياد، شاب بسيط يعمل بجد ويؤمن أن العلاقات تبنى على الصدق. كان كريم أحد أصدقائه المقربين، أو هكذا كان يبدو. كريم كان شخصية جذابة، يمتلك قدرة استثنائية على الحديث. كلماته دائماً محبوكة بعناية، وصوته ينساب مثل نهر هادئ، لكنه كان يخفي في أعماقه دوامة لا ترى بالعين المجردة.


بدأ كل شيء عندما تورط إياد في خلاف بسيط مع كريم حول أمر تافه. ظن إياد أن الأمر سينتهي سريعاً، لكنه لم يكن يعلم أن هذه الحادثة ستكون نقطة التحول في حياته. في اليوم التالي، بدأ يسمع الهمسات. صديقه المقرب يوسف أصبح فجأة أكثر تحفظًا، زملاؤه في العمل ينظرون إليه نظرات غريبة، والجيران الذين كانوا يحيونه بحرارة أصبحوا يتجنبونه.


لم يستغرق الأمر طويلاً قبل أن يعرف السبب. كريم، بطريقته الماهرة، بدأ ينشر الحكايات. لكنه لم يكن يفعل ذلك كأي نمام عادي. كان يروي قصصاً تبدو حقيقية، مليئة بالتفاصيل التي تجعلها مقنعة، وكان دائماً يضع نفسه في دور الضحية المسكين الذي تعرض للخيانة.


"إياد؟" كان يقول بصوت حزين أمام الآخرين، "لا أريد أن أتكلم عنه، لكنه جرحني حقاً. كنت أعتبره أخاً، والآن انظروا ماذا فعل."


ومع كل كلمة، كانت أعين الناس تزداد تعاطفاً مع كريم، وتتوجه باللوم إلى إياد. كان الأمر أشبه بسحر. لم يكن أحد يسأل عن الحقيقة، الجميع كانوا يصدقون رواية كريم دون تردد.


حاول إياد في البداية تجاهل الأمر، لكنه سرعان ما أدرك أن الصمت لم يكن خياراً. كلما حاول الدفاع عن نفسه، بدا الأمر وكأنه يؤكد التهم. كريم كان ذكياً بما يكفي لجعل كل رد فعل من إياد يبدو كدليل آخر على "ذنبه".


"إياد غاضب؟ هل رأيتم كيف يفقد أعصابه؟ هذا دليل على أنه يخفي شيئاً."

"إياد يحاول الدفاع عن نفسه؟ من يدافع كثيراً عادةً يكون مذنباً."


كل خطوة خطاها إياد كانت محسوبة بدقة من قبل كريم، الذي كان دائماً خطوة إلى الأمام.


مع مرور الأيام، بدأ إياد يشعر أنه يخسر كل شيء. أصدقاؤه باتوا ينفرون منه، عائلته بدأت تشك فيه، وحتى عمله أصبح في خطر. كان يرى كيف استطاع كريم أن ينسج شبكة معقدة من الأكاذيب حوله، وكيف أصبح الجميع جزءاً من اللعبة دون أن يدركوا ذلك.


لكن إياد لم يكن ضعيفاً. بعد فترة من الصدمة والارتباك، قرر مواجهة كريم. لم تكن المواجهة سهلة، فقد كان كريم ماهراً في الهروب من الحقائق وفي قلب الطاولة.


"لماذا تفعل هذا، كريم؟" سأله إياد بصوت مشحون بالغضب والحزن.

ابتسم كريم بهدوء، نظرة صغيرة من الانتصار تتراقص في عينيه، وقال: "أنا؟ أنا فقط أقول الحقيقة، إياد. إن كنت لا تستطيع التعامل مع تبعات أفعالك، فهذا ليس مشكلتي."


في تلك اللحظة، أدرك إياد أن المواجهة لن تكون بالكلمات. كريم كان يتلاعب بالعقول، لكن إياد كان يعلم أنه إذا أراد أن يستعيد حياته، فعليه أن يكشف الحقيقة من خلال الأفعال.


بدأ بجمع الأدلة. عاد إلى كل من خسر ثقته، وبدلاً من الدفاع عن نفسه، بدأ يروي لهم حقائق بسيطة، مدعومة بما يستطيع إثباته. لم يكن سهلاً استعادة ثقة الناس، لكنه تعلم أن مواجهة شخص مثل كريم تحتاج إلى الصبر.


وفي النهاية، بدأ الناس يدركون الحقيقة. بدأوا يرون التناقضات في قصص كريم، وبدأت ثقته المفرطة تنقلب ضده. لم يكن الأمر سريعاً، ولم يكن كاملاً، لكن إياد استطاع ببطء أن يستعيد ما فقده.


أما كريم، فقد بقي وحده، محاطاً بظلال أكاذيبه. فقد أدرك الجميع في النهاية أن من يحاول دائماً أن يبدو ضحية، قد يكون هو الجاني الحقيقي.



التصنيفات:

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.
إرسال تعليق (0)