![]() |
"أنا زهقت من الزهق"بقلم: فاروق الغمراوي |
فيه حاجة غريبة بتحصللي، ومش لوحدي… كتير زينا. كل ما أقرب من الناس، أحس إني عايز أهرب. كل ما أتكلم، أحس إني عايز أخرس. كل ما أضحك، يبقى جوايا دمعة مش لاقية مخرج.
طب ليه؟
مفيش جواب… أو يمكن فيه بس مش قادر أسمعه وسط دوشة دماغي.
أنا طول عمري الوَحدة كانت صحبتي… ماكنتش برتاح غير وأنا ساكت، قاعد لوحدي، مفيش دوشة، مفيش طلبات، مفيش تصنُّع.
بس برضه… لما بقعد لوحدي، بسمع صوت خفي كده، بيقولي: "انت لوحدك ليه؟ مافيش حد جنبك ليه؟ هو مافيش حد بيسأل عليك؟"
أقوم أقرب من الناس…
أفتح قلبي، أتكلم، أحاول أندمج…
بس أول ما الدفا ييجي، أول ما حد يقولّي "أنا جنبك"،
أحس إني مخنوق… نفسي أهرب… حتى من الحضن!
ما تفهمش دي لعنة ولا طبيعة،
ولا تعب من كتر الخذلان ولا خوف من التعلّق،
بس أنا بقيت أخاف من القرب زيه زي البُعد…
والناس ما تفهمش… تحسّني متقلّب، متردد، مزاجي…
بس والله العظيم أنا بس "تايه جوا نفسي".
عارف لما تكون جعان وواقف قدام سفرة ملوكي،
بس أول ما تقعد تاكل، نفسك تتسد؟
مش لأن الأكل وحش، بس عشان جواك حاجة بايظة،
مش عارفة تستقبل…
أهو أنا كده… في كل حاجة.
الفلوس؟
آه… لما تكون قليلة، بشحت من الدنيا راحة…
ولما تيجي، أنسى نفسي، أتبخر، أضيع، أشتري كل حاجة إلا الهدوء.
أصرف كأني باشا، وأنام كأني مديون لكل اللي حواليا…
وأصحي تاني يوم، مش فاكر أنا عايز إيه أصلاً.
الناس؟
أحبهم من بعيد، لكن أول ما يقربوا، أتشل…
أحس إن روحي بتضيق،
رغم إني طول الوقت بقول "أنا محتاج حد".
العيب مش فيهم،
ولا حتى في الحياة…
أنا يمكن اتبرمجت على إني "مش قادر أعيش زي ما الناس عايشة"،
وكل ما أحاول أكون طبيعي، أكتشف إن الطبيعي ده مش ليا…
أنا اتولدت في زاوية مش باينة…
زاوية مليانة مشاعر كتير بس ملهاش outlet.
أنا مش مريض…
بس أنا مرهق،
وأكتر حاجة بتوجعني إن الناس تفتكر إني "بعمل دراما"،
وأنا في الحقيقة بعيش دراما يومية من غير كاميرا ولا سكريبت ولا جمهور بيصفق.
فيه ناس بتحب العزلة،
وفيه ناس بتحب الصحبة…
وأنا؟
أنا بحب الحتة اللي في النص…
اللي مفيهاش حد، ومفيهاش وحدة…
بس للأسف الحتة دي مش موجودة.
يمكن اللي زيي محتاج يكتب… أو يسمع… أو يصرخ…
بس أهم حاجة،
مايكتمش،
عشان الكتمان بيخلي الصمت يعلى جواك…
لحد ما تبقى ساكت من بره، بس صوتك بيصمك من جوه.
---
فاروق الغمراوي
كاتب، مخرج وجُملة حزينة ماشية على رجلين.