فى عام 1994، وبينما المخرج الكبير أحمد صقر، يقوم بإخراج فيلمه التاسع «الحقيقة اسمها سالم»، فاجأه مؤلف الفيلم وصديقه السيناريست رءوف حلمى، الذى تعاون معه قبلها فى فيلم «غزو الأرانب»، بسؤاله عن قراءته لرواية «إلا فاطمة» للكاتب الكبير أنيس منصور، ليخبره صقر أنه لم يقرأها، لكن بعد قراءتها أعلن عن إعجابه بها.. ليقول له رءوف توفيق.. تعالى نعملها مسلسل.
وقتها كان المخرج الكبير أحمد صقر، متحققا بالفعل فى الوسط السينمائى، بفضل الإنتاج التليفزيونى، وقدم قبل فيلم «الحقيقة اسمها سالم» نحو 8 أفلام لعل أشهرها «كيد العوالم والشرسة ومصرع الذئاب»، لم يفكر وقتها فى كون التحول من إخراج الأفلام السينمائية أو التليفزيونية إلى المسلسلات قد يكون مغامرة.
وبدأ صقر ورءوف توفيق يجلسان سويا لمناقشة الحلقات أولا بأول.. وعند الاستقرار على وجهة النظر النهائية لكليهما فى كل حلقة.. كان يقدمها أحمد صقر للمسئولين فى قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى، إلى أن تم تقديم جميع الحلقات وإجازتها رقابيا.. وبقى أن يقف أحمد صقر للمرة الأولى كمخرج للدراما التليفزيونية الطويلة، بعد أن قدم سهرة درامية واحدة بعنوان «أحلام مشروعة» لعب بطولتها عمر الحريرى وعبدالمنعم مدبولى وليلى فوزى.
1- فريق العمل
حاول المخرج الكبير أحمد صقر، أن تكون اختياراته للنجوم الذين سيلعبون بطولة المسلسل فى غاية الدقة، خاصة أنها التجربة الأولى له فى الدراما التليفزيونية، وكان أول من فكر به هو الفنان أحمد عبد العزيز، ليقدم شخصية «صبرى» خريج الجامعة المطحون الذى يواجه المصاعب والعراقيل الكثيرة فى حياته، وكان يعيش حرفيا الغربة فى حضن الوطن، لما لاقاه من صدود من جانب أهل حبيبته، ووقتها كان الفنان أحمد عبدالعزيز هو الفتى الذهبى للدراما المصرية، فقبل عرض مسلسل «من الذى لا يحب فاطمة» كان قد حقق نجاحا طاغيا بالجزء الثانى من مسلسل «المال والبنون» لمحمد جلال عبد القوى ومجدى أبو عميرة، علاوة على نجاحه الكبير فى مسلسل «الفرسان» للكاتب سامى غنيم، والمخرج الكبير الراحل حسام الدين مصطفى.
وبعد الاستقرار على أحمد عبدالعزيز، اختار المخرج الكبير أحمد صقر النجمة جيهان نصر لتلعب دور ماجدة وكان له وجهة نظر فى الاختيار (جيهان كانت ممثلة جيدة جدا، وكانت قد عملت معى قبل المسلسل، فى فوازير «الحلو ميكملش»، وملامحها مصرية خالصة، تشعرك بالأمن، وكأنها من العائلة، فوجهها يوحى بأنها الأخت أو الابنة أو القريبة، لذلك كان اختيارها لتقديم شخصية ماجدة مناسبا جدا، أما شيرين سيف النصر فهى ممثلة رائعة، وملامحها الأوروبية كانت كفيلة بأن تترشح لدور مارجريت أو فاطمة، علاوة على اختيار ماجدة زكى وكريمة مختار وليلى فوزى التى عرضت عليها الدور فطلبت قراءة السيناريو، وبعد أن وصلها ردت علينا فى غضون 48 ساعة، وقد وافقت على الدور.. وأثنت على العمل.. ومن فرط حبها للمسلسل كانت تعتبر بالنسبة إلينا مسئولة الشياكة، فكانت تشرف على أى مأدبة طعام قبل تصوير المشهد.. وترتب الأطباق والمعالق والشوك، على السفرة حسب ذوقها الخاص.. وتحدد لنا الأكواب والكئوس هل مناسبة للماء أو للعصير؟.. كانت عظيمة جدا.. ومثلها الفنانة العظيمة الراحلة إحسان القلعاوى).
قال المخرج أحمد صقر، عن الغيرة بين أبناء المهنة الواحدة، وهى لا تخرج قطعا عن الطبيعة البشرية، ففى أغلب الأعمال التى تتشارك فى بطولتها ممثلتان فى نفس العمر، وتقريبا متساويتان فى النجومية، غالبا ما تكون هناك أحداث تنم عن غيرة، خاصة بالاسم على تيترات العمل، أو عدد المشاهد (بُص فى الوقت ده، مكانش فى الكلام ده، كنا نختار فريق العمل بحسب احتياج الدور للممثل ليس إلا، وفى حالة هذا المسلسل، فله طبيعة خاصة، كونه مأخوذا من عمل أدبى للكاتب أنيس منصور، فنحن لم نتدخل لنجعل شخصية أهم من الأخرى، ولا أن نمنع أن يكون اسم المسلسل على اسم الشخصية، فالرواية نفسها باسم فاطمة، وعموما لم يحدث أى شىء من هذا القبيل).
2- أزمات فى النمسا
كانت طبيعة رواية «إلا فاطمة» للكاتب الكبير أنيس منصور، تدور أحداثها – وفقا لما صاغه أيضا رءوف حلمى فى سيناريو المسلسل- فى دولة أوروبية، وبالتحديد النمسا، وكان المسئولون فى قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى، على دراية بذلك عند وضع ميزانية المسلسل، لكن ما قيل عند تصوير المسلسل، إن المخرج أحمد صقر كان قد طلب أسبوعين للتصوير فى النمسا، لكن المسئولين فى القطاع حددوا أسبوعا واحدا للتصوير هناك، وهو ما أحدث أزمة كبيرة لفريق العمل فى النمسا.
رويت لأحمد صقر ما قيل وقتها لكنه أكد لى أن ما قيل غير صحيح ( قطاع الإنتاج وفر لنا كل ما طلبناه، ولعلمك أنا سافرت قبل سفر بعثة المسلسل بثلاثة أيام كاملة، قابلت خلالها المسئول النمساوى، وعاينت معه جميع أماكن التصوير، وحددت الأماكن التى وجدت أنها مناسبة للمشاهد المكتوبة، وكنت على تواصل مع الممثلين ومساعدى الإخراج فى مصر.. وما لا يعلمه أحد.. أننى طلبت من مساعدى الإخراج، أن يكون نجوم العمل على متن الطائرة بملابس الراكور، أى الملابس الخاصة بترتيب المشاهد، وهو ما حدث بالفعل، وبدأت التصوير من لحظة نزول الممثلين على سُلم الطائرة، فقد كنت أنتظرهم بالكاميرا والمصور فى المطار).
3- صدمة محمد سعد
بعد وصول بعثة التليفزيون المصرى إلى الأراضى النمساوية، كانت هناك مشكلة، لم يحسب صناع المسلسل حسابها، عندما رشح المخرج الكبير أحمد صقر، الفنان محمد سعد ليلعب دور «رأفت»، فمحمد سعد وقتها لم ينجح فى استخراج تصريح السفر الخاص بالقوات المسلحة، وبناء على ذلك لم يسمح له بالسفر مع أسرة المسلسل، ورغم أنه كان له مشاهد سيتم تصويرها فى النمسا، رفض المخرج أحمد صقر استبداله بممثل آخر يستطيع السفر، معلنا أنه سيحل هذه الأزمة بمعرفته الشخصية.
أول ما تبادر إلى ذهنى أن المخرج سيقوم بإلغاء مشاهد شخصية «رأفت» فى النمسا، لكن أحمد صقر كان له رأى آخر (أنا أعلن ما حدث للمرة الأولى الآن ونحن فى 2020، ورغم أن المسلسل عُرض فى عام 1996، إلا أننى لم أفصح عن هذا السر حتى هذه اللحظات، قررت أن أجد حلا مناسبا، غير أن استبعد محمد سعد من المسلسل، أو حتى أن أقوم بإلغاء مشاهده بالنمسا، كل ما قمت بعمله أننى نقلت مشاهده إلى ديكور داخل مصر، هذا على مستوى المشاهد الداخلية، أما الأصعب كان إيجاد حل فى المشاهد الخارجية، فمعالم المكان ستظهر، وبالتالى لن استطيع أن أغيرها فى مشاهده فقط، لذلك.. فعندما صورت مشاهد فى المطار حرصت على تصوير الأرضية.. وعندما عدنا إلى مصر، بحثت عن أرضية مشابهة لتلك الأرضية التى كانت فى مطار النمسا، وبالفعل وجدت أرضية مماثلة تماما من البلاط والرخام فى ريسيبشن أحد فنادق الإسكندرية، فقررت أن يصور محمد سعد مشهد المطار فى فندق الإسكندرية، ولو لاحظتم ستجدون أن الكاميرا كانت مرتفعة بحيث لا يظهر فى الكادر سوى الممثل والأرضية، وقد مرت بسلام ولم يلحظها أحد.. ولم يكن سيعلم بها أحد لولا أننى أفشيت سرها الآن).
4- البحث عن أسرة العمل
بعد أن انتهى المخرج الكبير أحمد صقر، من تصوير مشاهد المطار، عند هبوط الممثلين من الطائرة القادمة من مصر، قرر أن يصور مشهدًا يصطحب فيه صبرى ماجدة من المطار إلى محل السكن، وكان المشهد يتم تصويره فى سيارة من المفترض أن تتجه من المطار إلى محل السكن، وجلس الممثلون فى الأمام، بينما جلس المخرج أحمد صقر ومعه المصورون بالخلف، وسارت السيارة فى طريقها، وقال الممثلون الحوار المكتوب بالمشهد، ليفاجأوا جميعا أنهم لا يعرفون المكان الذى توجهوا إليه.. ولا يعرفون طريق عودتهم إلى الفندق الذى تقيم فيه البعثة.
وجد المخرج وفريق العمل أنفسهم فى موقف يحسدون عليه (لم نكن نعلم طريق العودة، وعندما تبينا إحدى اللافتات وجدنا أنفسنا وقد ذهبنا بالسيارة أثناء التصوير إلى حدود المجر، وبدأ الظلام يحل، ولم يكن أمامنا سوى الاتصال بالشرطة لتخبرنا عما نفعله.. وبالفعل، وبعد انتظار جاءت إلينا إحدى سيارات الشرطة، واصطحبتنا طوال طريق الرجوع حتى عُدنا إلى فندق الإقامة).
5- التيتر المعجزة
كان لتيتر المسلسل «من الذى لا يحب فاطمة» الذى كتبه المبدع الراحل سيد حجاب، ولحنه المبدع ميشيل المصرى، وغناه محمد ثروت، دور وأثر كبير فى نجاح المسلسل، لدرجة أن بعد حلقتين فقط كانت النغمة والكلمات ملتصقة فى الأذهان حتى هذه اللحظات، سألت أحمد صقر عن التيتر وقصته، ومن الذى رشح سيد حجاب وميشيل المصرى ومحمد ثروت.
أحمد صقر قال لى إن علاقته بالشاعر الكبير سيد حجاب، طويلة وممتدة (سيد حجاب الله يرحمه كان صديقى وحبيبى وعشرة عمرى، كلمته على المسلسل، وحكيت له عن الأبعاد والخطوط الدرامية، وحصل على نسخة من السيناريو الذى كتبه رءوف حلمى، وزارنا مرتين فى الاستوديو أثناء التصوير.. ثم اختفى تماما، وبعد فترة وجدته وقد عاد بهذه الكلمات العظيمة، وما إن تسلمتها قمت بترشيح ميشيل المصرى ليضع الألحان عليها، وقتها لم يكن محمد ثروت قد ظهر فى حساباتنا.. لكن بعد الاستماع إلى اللحن بصوت ميشيل المصرى، قررت على الفور أن يتم إسناد مهمة غناء التيترات إلى المطرب الكبير محمد ثروت.. فاللحن هو الذى فرض صوته.. وكون محمد ثروت يغنى تيتر للمسلسل فهو مكسب للمسلسل ولنا جميعا).
6- منافسة غير شريفة
انتهى أحمد صقر من التصوير، ومن عمليات المونتاج والمكساج، وسلم المسلسل إلى قطاع الإنتاج الذى كان يرأسه فى ذلك الوقت ممدوح الليثى، وما إن شاهد أجزاءً من الحلقات حتى أثنى وبشدة على مستوى العمل الفنى، لكن لا ممدوح الليثى، ولا أحمد صقر شخصيا، كانا يدريان أن المسلسل سيحقق هذا النجاح الساحق، وعلى ذلك أدرج المسئولون بالتليفزيون المصرى المسلسل فى خطة العرض الرمضانى لعام 1996.
فى ذلك العام كانت المنافسة شرسة للغاية، ففى القناة الأولى تقرر أن يذاع مسلسل «نصف ربيع الآخر» لعملاق التأليف محمد جلال عبدالقوى، وعملاق الإخراج الراحل يحيى العلمى، وبطولة الفنان الكبير يحيى الفخرانى، والنجمة إلهام شاهين، ولأن المسلسل عدد حلقاته 14 حلقة، فقد تقرر وضع مسلسل «ومن الذى لا يحب فاطمة» فى النصف الثانى من الشهر، ليعرض بالتحديد فى يوم 15 رمضان، وكان يعرض فى نفس العام مسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى» قصة إحسان عبدالقدوس، معالجة درامية وسيناريو وحوار للكاتب الكبير مصطفى محرم وإخراج المخرج الكبير الراحل أحمد توفيق وبطولة نور الشريف وعبلة كامل.
أما القناة الثانية فكان يعرض عليها مسلسل «الأبطال» للكاتب سامى غنيم والمخرج الكبير حسام الدين مصطفى وبطولة الفنان الكبير حسين فهمى، وكان لنفس المخرج والمؤلف مسلسل «الفرسان» فى رمضان 1995، وحققا من خلاله نجاحا ساحقًا، لكن نجاح الفرسان المدوى، لم يتحقق ولو نصفه فى مسلسل «الأبطال» ما دعى المخرج حسام الدين مصطفى لأن يذهب إلى التليفزيون ويطلب من المسئولين عليه أن يتم نقل المسلسل من القناة الثانية ذات نسبة المشاهدة المنخفضة، إلى القناة الأولى، لينعم بنسبة المشاهدة العظيمة التى حققها مسلسل » نصف ربيع الآخر».
ولأن أحمد صقر وقتها لم يكن صاحب «شوكة قوية» فى الدراما التليفزيونية، وافق المسئولون على نقل مسلسل «الأبطال» إلى القناة الأولى، وعرض «ومن الذى لا يحب فاطمة» على القناة الثانية.. لكن ما إن عرض المسلسل، حقق نجاحا مدويا.. جعل صناع مسلسل الأبطال يخجلون من طلبهم كونه لم يحقق النجاح على القناتين.. وليعلن المسلسل عن مولد مخرج عملاق اسمه أحمد صقر.
قطاع الإنتاج كافأ أحمد صقر على نجاح المسلسل، وقرروا رفع أجره من 600 جنيه فى الحلقة، إلى 650 جنيها فى المسلسل التالى وكان بعنوان «اللص الذى أحبه» بطولة شريف منير وشيرين سيف النصر وتأليف رءوف حلمى أيضا وعرض فى عام 1997.