لا حب في رحابة المادة

1

لا حب في رحابة المادة 

بيمن خليل 

ذهب ليطلب إيد حبيبته، فسأله والدها عن ماذا لديك من مال وماديات؟ فصمت الشاب محرجًا من ما هو عليه، فقد كان في ظنه أن الحب أبقى وأعظم من أي ماديات، فَصُدِم حين سمع الرد بالرفض لأنه لا يملك غير الحب، الحب الذي عانى لأجله وسهر من أجله بمرارة الأيام القاسية.
سقطت دمعاته الساخنات على الأرضِ ثاقبة أهوال الجمود، وتلهّب قلبه والتهب بالجروح، ضعفت نفسه واختبأت داخل خجلها ساترة وجهها بوشاحٍ مقطّع لونه أحمر بلون الدمع الذي ينزف من قلبه، والنصف الآخر أبيض بلون الدمع الذي يزرف من عينه، تتصاعد من مياه دموعه أبخرة وسراب كسراب النار الملتهبة في أوجه الدمار.
عاش بحسرةٍ لا تفارقه أشباح فقره، فقد قُتل لأول مرة حين رُفض، وقد كانت السكينة الثانية تجتاح صدره حين سمع بخطبتها لشاب حسن بالمال، فقد هزم المال الحب وهزمت الماديات عقيدة السماء، قُتل للمرة الثانية، وسالت دماه على مفترق الضياع، فربما يشبع المال اشباع المادة ولكن كيف يشبع المال الروح حين تهيم، وحين تتعس، وحين تتعب، وحين تيأس؟
فقد عانقت أشباح الألم تؤدته، وسنحت لإبليس المادة أن يجفف ريحان عمره الناشب وسط واقع مكذوب.
راود الشاب القانط سؤالًا وهو ما فائدة الحب للفقير إذا تم التهامه من وحش الميسرة، وما فائدة الحب والعشق اللذان يمجدانهما في السماء، ويرتلوا الناس ويتغنوا به على الأرض، وهم في ذات الوقت يبغضونه ولا يعترفون به،  ويمزقونه بقوة، فأي تطبيق هذا، الذي يبغض الحب ويمزج السعادة بالمال؟ الذي ينفي الروح التي لا تموت ولا تفنى ليمجد الجسد الذي يموت والذي يفنى، أي صلاة يصلونها وأي حياة يعيشونها؟ فيا أصدقائي، إن الأرض ليست للفقير بل للغني، وليست للحب بل للشراء، ليست للفداء والتضحية بل للعبودية والتقييد.
لا تخدعونا بالحب الذي يمتثلكم وأنتم لا تمتثلوه، لا تزعجونا بخطابات الرحابة والسعة للفقير وأنتم تدوسوه، فالسماء بريئة منكم والأرض لن تعيش لكم ولا أنتم ستعيشون لها، فالموت على قرابة الثانية وعلى محف القدر بنيتم أموالكم وحياتكم.
مرت الأعوام ظل بها الشاب على سكينة البغضة والألم والقسوة، كل دقيقة عبرت به نزعت أنفاسه نفس وراء نفس، حبه نمى في أعماق قلبه الحزين، بينما هي تنعمت في مياسر الزوجية مع زوجها متنعمة بالماديات، مغمومة من الحياة، زواجها أصبح شركة مؤممة للقيود لا يطير  في هوائها غير المادة متجردة من كل ما هو جميل من أطياف الروح وعبيرها، الأرض صارت جفاء، بور خالية من مياه الحب الدائمة، حتى مرضت كثيرًا، أموال زوجها لم تقدر أن تعطي لها الحياة ووحدتها لن تقدر أن تستمتع بألمها في وجود المرض، حتى ماتت، خاسرة الحياة بكاملها، وبعدها مات حبيبها في ظل عشقها، وبعدها تزوج زوجها من فتاة أخرى صبية تحت شعار الماديات هي الأهم.
التصنيفات:

إرسال تعليق

1 تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.
  1. نعم لا حب في رحابة الماده!! ممممممممم. أحسنت أستاذ بيمن احسنت

    ردحذف
إرسال تعليق