التنمر bullying




أميرة السمان


التنمر من المشاكل الشائعة والخطيرة في أيامنا هذه، وهي ظاهرة نعاني منها في بيوتنا ومدارسنا ووظائفنا وملاعبنا ومقاهينا وفي كل مكان، وتؤكد الأبحاث مدى الآثار السلبية التي تبقى في ذاكرة الطفل، وتؤثر في صحته النفسية على المدى البعيد نتيجة تعرضه للتنمر، وتشير الأرقام إلى تعرّض نصف الأطفال في مرحلة ما من سنوات عمرهم الدراسية للتنمر، وغالبًا ما يخفي الأطفال عن الأهل والمعلمين معاناتهم بسبب شعورهم بالخجل، لئلا يوصفوا بالضعف.

ما هو التنمر bullying؛

التنمر المدرسي ، البلطجة، التسلط، الترهيب، الاستئساد، الاستقواء، أسماء مختلفة لظاهرة سلبية نشأت في بلاد الغرب وبدأت تغزومجتمعنا ومدارسنا بفعل تأثيرات العولمة و الغزو الإعلامي الغربي ، و يكفي الاطلاع على الإحصائيات العالمية الخاصة بهذه الظاهرة للوقوف على خطورتها.
 ففي الولايات المتحدة الأمريكية التي يعتبر فيها التنّمر المشكلة الأكثر حضوراً من مشاكل العنف في المدارس تُشير الدراسات بأن ثمانية من طلاب المدارس الثانوية يغيبون يوماً واحداً في الأسبوع على الأقل بسبب الخوف من الذهاب إلى المدرسة خوفا من التنمر. 
كما كشفت دراسة مسحية "لإيرلينج Erling" بعنوان "التنمر: أعراض كئيبة وأفكار انتحارية" أجريت على 2088 تلميذًا نرويجيًا في المستوى الثامن كشفت أن الطلبة ممن يمارسون التنمر وكذلك ضحاياهم قد حصلوا على درجات عليا في مقياس الأفكار الانتحارية.
وفي دراسة لـ "ليند وكيرني Lind - Kerrney" أجريت في نيوزلندا ، اتضح أن حوالي 63% من الطلاب قد تعرضوا لشكل أو آخر من ممارسات التنمر، كما أشارت دراسة لـ "أدامسكي وريان Rayan - Adamski" التي أجريت في ولاية إلينوي بالولايات المتحدة إلى أن أكثر من 50% من الطلاب قد تعرضوا لحالات التنمر، وفي إيرلندا أوضحت دراسة لـ "مينتون Minton" تعرض الطلاب لمشكلات التنمر بنسبة 35% من طلاب المرحلة الابتدائية و36.4% من طلاب المرحلة المتوسطة، هذه الإحصائيات المقلقة تدفعنا للتساؤل حول هذه الظاهرة و تحليلها بحثا عن أسبابها و طرق علاجها ، حتى لا تتحول إلى عامل آخر يضاف إلى عوامل الهدر المدرسي في دول العالم الثالث، لدراسة هذه الظاهرة لابد أولا من البحث عن تعريف لها قبل الحديث عن أسبابها و طرق علاجها.
تعريف دان ألويس للتنمر

يعتبر "دان ألويس النرويجي (Dan Olweus)" الأب المؤسس للأبحاث حول التنمر في المدارس، ويعرف ألويس التنمر المدرسي بأنه أفعال سلبية متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر، تتم بصورة متكررة وطوال الوقت، ويمكن أن تكون هذه الأفعال السلبية بالكلمات مثل: التهديد، التوبيخ، الإغاظة والشتائم، كما يمكن أن تكون بالاحتكاك الجسدي كالضرب والدفع والركل ، أو حتى بدون استخدام الكلمات أو التعرض الجسدي مثل التكشير بالوجه أو الإشارات غير اللائقة، بقصد وتعمد عزله من المجموعة أو رفض الاستجابة لرغبته. وحسب ألويس فلا يمكن الحديث عن التنمر إلا في حالة عدم التوازن في الطاقة أو القوة (علاقة قوة غير متماثلة)؛ أي في حالة وجود صعوبة الدفاع عن النفس ، أما حينما ينشأ خلاف بين طالبين متساويين تقريبا من ناحية القوة الجسدية والطاقة النفسية ، فإن ذلك لا يسمى تنمرًا ، وكذلك الحال بالنسبة لحالات الإثارة والمزاح بين الأصدقاء ، غير أن المزاح الثقيل المتكرر، مع سوء النية واستمراره بالرغم من ظهور علامات الضيق والاعتراض لدى الطالب الذي يتعرض له، يدخل ضمن دائرة التنمر .

أسباب الظاهرة؛
ترجع الدراسات أسباب ظهور التنّمر في المدارس إلى التغيّرات التي حدثت في المجتمعات الإنسانية، والمرتبطة أساسا بظهور العنف و التمييز بكل أنواعه، واختلال العلاقات الأسرية في المجتمع، وتأثير الاعلام على المراهقين في المراحل المتوسطة والثانوية، وكثرة المهاجرين الفقراء الذين يسكنون الأحياء الفقيرة وعدم قدرة أهل هؤلاء الطلبة المتُنمّرين على ضبط سلوكاتهم، وعموما يمكن تلخيص أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة التنمر في النقط التالية :
 الأسباب السيكوسوسيولوجية، الأسباب الأسرية، الأسباب المرتبطة بالحياة المدرسية، الأسباب المرتبطة بالإعلام و الثورة التقنية.

ما هي مظاهر التنمر؛
الضرب، أو اللكم، أو الركل أو دفع الآخرين في الممرات وعلى الادراج وفي الملاعب، تخريب ممتلكات الطفل أو سرقتها مثل سلب مصروفه أو طعامه، توجيه التهديدات لشخص ما، إطلاق لقب على شخص معين على سبيل السخرية والاستهزاء والإغاظة، التعنيف بكل أشكاله وألوانه، التمييز العرقي أو الديني أو السياسي، نشر الشائعات حول شخص ما، الإقصاء عن المجموعات أو النشاطات، والطلب من الآخرين عدم مصادقة الطالب لمبررات مختلفة، التنمر عبر الموبايل وعبر الإنترنت عن طريق الرسائل والتشاتنج والفيس بوك، حيث تنتشر الرسائل بسرعة ويكون من الصعب إزالتها.
ما هي نتائج وآثار هذا السلوك على ضحايا التنمر؛
إن من الصعب على ضحايا التنمر إقامة صداقات، وهم يميلون إلى الوحدة والانعزال، ويعانون نفسيًا واجتماعيًا، إذ يقلّ لديهم الإحساس بالسعادة والتقدير الذاتي، ويزداد الشعور بالقلق وعدم الأمان، وبالنتيجة فإنهم قد يتغيبون عن حصص دروسهم، ويزداد تغيبهم عن المدرسة، كما ينخفض أداؤهم الدراسي.

أين يحدث التنمر في المدارس عادة؛
يحدث التنمر في جميع مرافق المدرسة مثل: الصفوف، المكتبة، المختبر، قاعة الرياضة، قاعة الكمبيوتر، الحمامات، الممرات، الكافتيريا، الملاعب، باص المدرسة، أو أثناء المشي من أو إلى المدرسة.
من هم الاطفال الأكثر عرضة للتنمر؛
 الطلاب والأطفال المنعزلون اجتماعيًا، أصحاب البنية الجسمية الضعيفة، الأطفال الذين يبكون بسهولة ويسهل استفزازهم، الأطفال الذين لديهم تقدير متدنٍ للذات.
ومن ناحية أخرى، وفي حالات نادرة يمكن أن يستهدف المتنمرون الأطفال العدوانيين والاستفزازيين، ويمكن أن يشمل:
الأطفال الذين لديهم مشاكل في التركيز والتحصيل في المدرسة، الطلاب سريعي الاستثارة الذين يحاولون الرد على الإهانة، الأطفال الذين يعانون من الحركة الزائدة، الطلاب غير المحبوبين من رفاقهم.
كيف تتصرف عندما تتعرض للتنمر في المدرسة؛

 كن ودودًا، لا تبكِ ولا تُظهر الأسى فتزيد الأمور سوءًا، أظهر الثقة بالنفس، وتكلم ورأسك مرفوع للأعلى، لا تستجب للمتنمر، فهو يستسلم عندما لا يجد اهتمامًا، لا تبادر بالشجار والقتال، لازم صديقًا قويًا ومحترمًا في باص المدرسة، في الملعب، وفي الطريق من والى المدرسة، تحدث إلى البالغين: كالوالدين، والمعلمين، وتواصل مع إدارة المدرسة والمعلم المرشد لحصر المشكلة وحلها، كن حازمًا في موقفك واطلب من المعتدي التوقف عن أذيتك، تدرب على ما ستقوله للمتنمر مثل: أريدك أن توقف هذا العمل فورًا، كن مرحًا وواجه التعليقات السلبية بالمزاح والدعابة.
اذا كنت أنت المتنمر كيف تواجه هذا السلوك غير المرغوب؛
 إعتذر فورًا عن الإساءة للأطفال أو الطلاب الآخرين وتسامح منهم، صادقهم واثبت لهم أنك تغيرت ولن تتعرض لأذيتهم ابدًا، عزّز ثقتك بنفسك وشارك في الأنشطة المدرسية واكسب وُدّ الرفاق، إذا كنت تواجه اوقاتًا حرجة، لا تتردد ابدًا في اللجوء الى المعلم المرشد لمساندتك.
وفي الختام نقول للجميع أن معظم السلوكات الإنسانية مكتسبة، وهي بالتالي قابلة للتعديل، فلا تقلقوا على أولادكم وطلابكم، فالحب العقلاني والتربية المتوازنة تصنع المعجزات، ولا يوجد ما لا نستطيع التغلب عليه، ولكن بالحكمة والرفق واللين، وقليل من الاحتراف. 
ويفترض بنا جميعًا بدلاً من أن يقتصر عملنا على علاج ضحايا التنمر، أن نبادر إلى حملات وقائية لجميع فئات المجتمع، للحد من ثقافة التنمر السائدة بين معظمنا.

 علاج الظاهرة؛
أول خطوة لعلاج هذه المشكلة هو الاعتراف بوجودها ، تليها مرحلة التشخيص للوقوف على حجم هذه الظاهرة في مدارسنا و تحديد المستويات الدراسية التي تنتشر فيها أكثر من غيرها، ومعرفة الأسباب التي تؤدي إلى انتشار التنمر، عندئذ يمكننا أن نعمل على إيجاد حلول لهذه المشكلة التي تنتشر أكثر في الدول الغربية بسبب التغييرات التي تحدث في المجتمعات وتأثير الإعلام الذي غيّر كثيراً من سلوكيات الأطفال والمراهقين ، و امتد تأثيره ليشمل حتى سلوكيات البالغين . و في الخليج العربي ، تعتبر الوقاية من التنمر في المدارس أحد برامج الخطة الجديدة لـ”اليونيسف” في المنطقة للمرحلة : 2014-2017، والهدف الرئيسي لهذا البرنامج هو الوصول لمدارس خالية من التنمر لضمان بيئةٍ آمنةٍ للأطفال.
 العلاج الأسري

تعتبر الأسرة البيئة الأولى التي تؤثر في سلوك الطفل ، وهي بذلك تكتسي أهمية بالغة في ترتيب المتدخلين في علاج ظاهرة التنمر ، وليكون التدخل الأسري فعالا ، لابد من التروي و عدم العجلة في الحكم على سلوك الطفل و وصفه بالمتنمر قبل أن تتضح الرؤية و تتم دراسة المشكلة من جميع الجوانب، و استشارة جميع المتدخلين في حياة الطفل ، بما في ذلك بحث الصعوبات التي يمكن أن يواجهها الطفل في المدرسة فيما يخص التحصيل الدراسي، و التي يمكن أن تكون وراء سلوكه العدواني، و في حالة ثبوت تنمر الطفل ، يجب مناقشته بهدوء و تعقل ، و استفساره حول الأسباب التي تجعله يسلك هذا المنحى تجاه أقرانه ، وتوضيح مدى خطورة هذا السلوك ، و آثاره المدمرة على الضحية، وفي جميع الأحوال ، يجب تفادي وصف الطفل بالمعتدي أو المتنمر أو أي نعت قادح أمام زملائه ، لأن ذلك يمكن أن يأتي بنتائج عكسية وخيمة ، كما يجب على الآباء عدم اختلاق الأعذار للطفل والتبرير لأفعاله وبخاصة أمام المعلمين و الزملاء .

من جهة أخرى ، ينبغي التحكم فيما يشاهده الطفل في التلفاز، و تذكير الأطفال بوجوب احترام مشاعر الآخرين ، بمناسبة عرض مشاهد لأشخاص يتعرضون لمواقف مضحكة أو محرجة ، وإقناعهم أن هذه الأمور غير مسلية وشرح شعور الآخرين إذا ما كانوا ضحايا لمثل هذه التصرفات، وعموما، ينبغي على الوالدين التعامل مع الموضوع بجدية لأن الأطفال الذين يتنمرون على الآخرين عادة ما يواجهون مشاكل خطيرة في حياتهم المستقبلية ، وقد يواجهون اتهامات جنائية ، وقد تستمر المشاكل في علاقاتهم مع الآخرين، أما في حالة كان الابن ضحية للتنمر، فيجب على الوالدين إبلاغ الإدارة، والشروع في تعليم الطفل مهارات تأكيد الذات، ومساعدته على تقدير ذاته من خلال تقدير مساهماته و إنجازاته ، وفي حال كان منعزلا اجتماعيا بالمدرسة فيجب إشراكه بنشاطات اجتماعية تسمح له بالاندماج مع الآخرين وبناء ثقته بنفسه.


إرسال تعليق

أحدث أقدم