ظل ممثل 🥺

0

 ظل ممثل. بقلم فاروق الغمراوي 



جلس عادل على رصيف بارد في زاوية مظلمة من شارع مزدحم، يرتدي قميصًا قديمًا كان يومًا أبيضَ، وسروالًا ممزقًا لم يكن يعرف كيف بقيت خيوطه متماسكة. في يده اليسرى قطعة خشب صغيرة كان ينقر بها على الأرض، وفي يده اليمنى حقيبة جلدية مهترئة، كانت يومًا تحمل أوراقه وصوره، لكنها الآن لا تحمل إلا الفراغ.


كان عادل يتحدث مع المارة بصوت عالٍ، يروي لهم قصصًا قد تبدو لهم كأوهام مجنون، لكنه كان يحكيها وكأنها الحقيقة ذاتها، بنبرة ممثل يقف على خشبة المسرح.

"أنا عادل منصور! كنت نجمًا صاعدًا... آه، تذكرت! هل تعرفون سمير غانم؟ آه، كان يعطيني النصائح. قال لي ذات مرة: 'عادل، أنت كنز، فقط اصبر!'".


البدايات


قبل سنوات، كان عادل شابًا طموحًا، نشأ في حي فقير لكنه لم يرضَ أن يكون الفقر قدره. عشق المسرح منذ صغره، وكان يقول لوالدته دائمًا: "سأصير ممثلًا يا أمي، وسترينني على التلفاز!" وكانت تبتسم له بحنان وتقول: "يا بني، المسرح رزق شريف، ولكن لا تنسَ أن تأكل!"


أنهى دراسته الثانوية بصعوبة، والتحق بمعهد الفنون المسرحية. كان موهوبًا بالفعل، يضج بالحياة على المسرح، لكن الحظ لم يكن إلى جانبه. زملاؤه يحصلون على فرص وأدوار، أما هو فكان يطارد الإعلانات والمسابقات الصغيرة بلا جدوى.


وفي يومٍ ما، طرق باب منزلهم منتج سينمائي، قائلًا: "عادل، أريدك في دوري الجديد. وجهك يحمل قصة!" طار عادل من الفرح، وشعر أن حلمه بدأ يتحقق. لكن المنتج كان محتالًا، أوقعه في مشكلات مالية ضخمة بعد أن أجبره على دفع "رسوم مشاركة". ومن هنا بدأت لعنة الحظ تطارده.


الاتجاه إلى العمل الحر


بعد أن أُغلقت أبواب المسرح والسينما، قرر عادل أن يعيد اختراع نفسه عبر الإنترنت. سمع عن العمل الحر، وعن أولئك الذين يكتبون المقالات للمجلات الأجنبية ويكسبون المال. قال لنفسه: "إذا لم أكن نجمًا على المسرح، سأكون نجمًا على الورق. لدي الكثير من القصص، لدي الحياة كلها!"


بدأ عادل العمل على كتابة المقالات. تعلم كل ما يمكنه عن الكتابة باللغة الإنجليزية، وكتب مقالات عن الفن، والأمل، وحتى عن رحلته مع الفشل. كانت المقالات جيدة، أرسلها إلى مجلات ومواقع أجنبية، وبدأ ينتظر المكافآت المالية التي وعدوه بها.


لكن المفاجأة كانت قاسية. كانوا ينشرون مقالاته بأسماء أخرى، دون أن يحصل على أجر. حاول أن يعترض، أرسل لهم رسائل غاضبة، لكن الردود كانت دائمًا فارغة أو غائبة. ظل يعمل بلا جدوى، وبدلًا من أن يتحسن وضعه، تفاقم.


الديون والبيع


اضطر عادل إلى الاستدانة لسداد احتياجاته البسيطة. اشترى برامج كتابة، ودفع اشتراكات مواقع، لكنه لم يجنِ شيئًا. تراكمت الديون فوق رأسه كجبل لا يمكن تسلقه. بدأ في بيع كل ما يملكه: جهاز الكمبيوتر القديم، الكاميرا التي كان يحتفظ بها لتوثيق لحظاته، وحتى ملابس المسرح التي كان يرتديها في أيام مجده.


عندما لم يتبقَ شيء ليبيعه، لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي. باع صفحته على "إنستجرام"، التي كانت تحمل ذكريات جميلة مع أصدقائه في المعهد. أجر حسابه على "لينكدإن" لشركات تبحث عن واجهات وهمية. ومع ذلك، لم يكن هذا الدخل يكفي حتى لتوفير وجبة يومه.


مجنون أم شاعر؟


جلس عادل على الرصيف، يروي قصصه التي لم يعد يصدقها أحد. كان يقول للمارة:

"آه، يومها عندما طلبت مني المجلة أن أكتب عن معاناة الفنان، هل تصدقون أنهم نشروا المقال باسم شخص آخر؟ لكن لا بأس، فقد علمني ذلك شيئًا: الحياة تأخذ منا كل شيء، لكنها لا تستطيع سرقة الحلم."


المارة يمرون، بعضهم يضحك من كلماته، وبعضهم يرمقه بنظرات شفقة. الأطفال يطلقون عليه اسم "المجنون"، لكنه كان يرى نفسه ممثلًا على خشبة المسرح، يؤدي دوره الأخير.


النهاية


في إحدى الليالي، اختفى عادل من زاويته المعتادة. لم يره أحد بعدها، لكن قصته بقيت تتردد بين الناس. بعضهم قال إنه مات جوعًا، والبعض الآخر قال إنه هاجر بحثًا عن فرصة أخرى.


ولكن، في زاوية ذلك الرصيف الذي كان ملاذه الأخير، وجد أحدهم قطعة خشب صغيرة محفور عليها:

"الحياة ليست سوى مسرح كبير، لكنني فقط كنت أفتقد الجمهور."


ظل عادل ممثلًا... حتى بعد أن أغلقت كل الستائر.


إرسال تعليق

0 تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.
إرسال تعليق (0)