كواليس فيلم "ناصر56"

هوايات
0

 




ناقش الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن الوضع في البلاد مع مجموعة من الصحفيين وكتب السيناريو الأصلي للفيلم ، فاضل قال: "الفيلم سيستمر أربع ساعات". زكي: شاهدنا يا ريس! يوافقه الرأي المؤلف الكبير الراحل محفوظ عبد الرحمن

مشروع ضخم بعنوان "يوم في الحياة" بالتعاون مع ممدوح الليثي رئيس قسم الإنتاج في راديو وتلفزيون ألاينس. يتألف المشروع من 12 حلقة درامية تضم بعض أهم الشخصيات في التاريخ المصري ، ومنهم عبد الله النديم وسيد درويش والرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس أنور السادات وغيرهم. وأثناء زيارة قسم الإنتاج للفنان الكبير الراحل أحمد زكي حجبه اسم الرئيس جمال عبد الناصر قائلا: "سأبدأ بهذه الحلقة".



كانت مجرد حلقة تليفزيونية مرشح لإخراجها هانى لاشين، الذى اعتذر فيما بعد، ليغلق ممدوح الليثى وأحمد زكى ومحفوظ عبدالرحمن صفحة هانى لاشين تماما، ويفتحون صفحة جديدة عنوانها المخرج الكبير محمد فاضل.


اتصل الليثى بفاضل وحدد معه موعدا للقاء فى مكتبه بقطاع الإنتاج، وذهب فاضل بالفعل كما قال لى (يومها وجدت فى مكتب ممدوح الليثى الفنان أحمد زكى والكاتب محفوظ عبدالرحمن، وقلت لهم إن حلقة تليفزيونية عن جمال عبدالناصر لا تكفى بالمرة ولا تتناسب مع أهميته على الإطلاق، خاصة أنه لا توجد أعمال أنتجت عنه، اللهم سوى فيلما وثائقيا قدمته BBC عنه وعن الرئيس السادات، وكان من الواضح انحياز الفيلم للسادات، فدعونا نقدمه فى فيلم تليفزيونى، مثل الأفلام التليفزيونية على شاكلة «أيوب»، أعجبتهم الفكرة، وبدأ محفوظ عبدالرحمن يكتب سيناريو الفيلم التليفزيونى، بعد أن انتهى محفوظ اجتمعنا مرة أخرى وكانت الفكرة نضجت فى رأسى، قلت لهم محفوظ كاتب سينمائى وأحمد زكى نجم شباك وأنا قدمت من قبل مجموعة من الأفلام مثل «شقة فى وسط البلد» و«حب فى الزنزانة»، فلماذا لا يتحول المشروع من مجرد فيلم تليفزيونى، لفيلم تعرضه السينمات، وأعجبتهم الفكرة للمرة الثانية، فبدأنا الإعداد للفيلم، وكان محفوظ قد كتبه بشكل روائى، يبدأ بمجموعة من الصحفيين يلتقون فى أحد الأماكن ويبدأون فى مناقشة أفعال وقرارات عبدالناصر، علاوة على خط آخر لصحفى يحب ابنة باشا، قلت له يا محفوظ كده الفيلم هيطلع ٤ ساعات، دعنا نبدأ الفيلم برفع العلم المصرى على بورسعيد بمناسبة الجلاء النهائى للإنجليز عن مدن القناة، واستمر تحضير الفيلم لمدة طويلة).



قال المخرج الكبير محمد فاضل إن وقت التحضير لتصوير فيلم «ناصر ٥٦» استمر عاما كاملا، علاوة على تصويره خلال ١٤ شهرا متقطعة، لكن لماذا كانت فترة التحضير طويلة، السؤال لى والإجابة لمحمد فاضل (لم نترك ورقة واحدة كتبت عن هذه المرحلة إلا وقرأناها، سواء باللغة العربية أو الإنجليزية، كنا نعتبر نفسنا فى معسكر، وعلاوة على القراءة شاهدنا كل لقطة صورت عن تلك المرحلة، وشاهدت أفلاما ٨ ملل كان يصورها الرئيس جمال عبدالناصر بنفسه، بعد أن ألتقيت بابنته الدكتورة هدى عبدالناصر التى ساعدتنا جدا، أعطتنى كرتونة بها بعض الخطابات بخط يده كان يرسلها إلى أسرته أثناء سفره للخارج، وكان للمهندس عبدالحميد عبدالناصر شركة فى جسر السويس وكان يحتفظ بالبدل الأصلية فى مخزن بالشركة، وحصلنا على البدل لنفصل مثلها تماما على مقاس أحمد زكى، كما أننى قابلت هيكل مرتين فى منزله لمعرفة بعض التفاصيل، وعلاوة على ذلك كان يشغلنى وقتها أماكن التصوير، خاصة ديكور البورصة التى احترقت، وتم هدمها بحى المنشية بالإسكندرية، فالحى تغيرت معالمه تماما، والبورصة مهدودة، فذهبت بصحبة مهندس الديكور نبيل سليم لمكتبة البلدية بالإسكندرية لنبحث عن أى ورق أو رسومات تخص البورصة، واكتشفنا أن الشخص المسئول عن ذلك خرج إلى المعاش، سألنا عن عنوانه وذهبنا إليه فى منزله، واصطحبناه معنا إلى المكتبة، وبالفعل نزل بنا إلى البدروم وأخرج لنا الرسوم الأصلية التى صممها مهندسون أجانب لمبنى البورصة، صورنا الرسوم كاملة، واكتشفنا أن الديكور لا يجب أن يتم بناؤه بالخشب، بينما يجب أن يتم البناء بالطوب والخرسانة، خاصة أن لها واجهة وسلالم وشرفة، ووافق ممدوح الليثى ورغم خلافى معه لكنها من الأشياء الإيجابية التى لا يجوز إغفالها، وبنينا الديكور فى مدينة الإنتاج الإعلامى، وأثناء التصوير كان الرئيس الأسبق حسنى مبارك يفتتحها فزارنا فى موقع التصوير، وقال له صفوت الشريف أننا نصور فيلمًا عن جمال عبدالناصر، فداعب أحمد زكى الذى يقدم شخصية جمال عبدالناصر قائلا: «خلى بالك مننا ياريس»).




كان المبنى القديم لشركة قناة السويس بمدينة الإسماعيلية قد تحول إلى مقر من مقرات الحزب الوطنى، وكان المخرج محمد فاضل يريد التصوير فى المبنى، لكن المسئولين عن الحزب وإن كانوا وافقوا على التصوير، لكنهم رفضوا خلع صورة الرئيس المبارك من المبنى، وهنا حدثت الأزمة التى وصلت إلى أبعد المستويات كما قال لى فاضل (وصلنا الأمر لرئيس الديوان زكريا عزمى، الذى رفعه إلى الرئيس مبارك شخصيا فقال «هو أنا كنت موجود سنة ٥٦، هما عبط، خليهم يشيلوا الصورة طبعا، وكان المسئولون بالحزب الوطنى يعتبرون أن نزع صورة مبارك هو فأل سييء لكننا انتزعناها بالفعل، ووقتها قررت أن أنزل إلى البدروم للحصول على أى أوراق تخص قناة السويس حتى نصورها ونصمم أوراقا مثلها، ومن ضمن ما عثرت دفتر إيصالات باسم حسن البنا – مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية- وكان يحصل من الإنجليز شهريا على مبلغ ٨٠ جنيها، وكان مبلغا كبيرا فى أربعينيات القرن وكانت شركة قناة السويس وقتها تحت إدارة فرنسية، كنت أريد عمل كل شىء مشابهًا لعرضه فى مشهد المجموعة التى استردت مكاتب القناة، وحتى ملابسهم العسكرية كان على أزرارها هلال و٣ نجوم، وهى الملابس التى تم تغييرها بعد الوحدة مع سوريا سنة ١٩٥٨).




كانت تجارب المكياج الأولى غير موفقة، لم يشعر خلالها المخرج الكبير محمد فاضل بالرضا عن الشكل (كان مشكلة لون العينين هينة، فعبدالناصر كانت عيناه فاتحة، بينما أحمد زكى صاحب عينين سوداويين، تغلبنا عليها بعدسة لاصقة، قالوا لنا الأنف مختلفة تماما، فاستعنا بأستاذ تجميل من قصر العينى لعمل ماكيت للأنف، وصورنا به يوما تجريبيا على سبيل الاختبار، فوجدت أنها تمثل عبئا على أحمد زكى فقد أغلقت مجرى التنفس لديه ولم يكن يمثل مرتاحا أثناء ارتدائها، فقررت الاستعانة بماكيير من بولندا لكن ممدوح الليثى رفض بداعى التكلفة، وأخيرا استعنا بماكييرة لبنانية اسمها مرينا، أما الشعر فقد أوكلنا مهمته للكوافير الشهير محمود لبيب، واستعنا بمراجع عديدة من أجل الملابس التى صممتها سامية عبدالعزيز، واستعنت بمراجع من المنتج سمير خفاجى الذى كان يحتفظ بأعداد مجلة المصور كاملة، منذ إصدار المجلة فحصلنا على الأعداد الخاصة بسنة ١٩٥٦، أما بخصوص فارق الطول بين الرئيس جمال عبدالناصر وأحمد زكى، فقد قام مهندس الديكور نبيل سليم بحيلة فى الديكور، فالمعروف أن طول أى باب يكون ٢٢٠ سم، لكنه قام بعمل باب أقصر حتى عندما يمر أحمد زكى من خلاله تكون رأسه قريبة من الحد العلوى).


بعدها سافر المخرج الكبير محمد فاضل إلى لندن وذهب إلى مكتبة BBC، ومكتبة «باتيه نيوز» ليختار المشاهد التى سيستعين بها من الأفلام التسجيلية، وبالفعل اختار ما يحتاجه، ونسخت له المكتبة نسخة وقالت له «الحساب بعد مونتاج الفيلم وبالثانية حتى لا تدفع ثمن ما لم تستخدمه، ولم تكن رحلة لندن هى الرحلة الوحيدة فقد سافر فاضل إيضا إلى قبرص بصحبة مديرة الإنتاج الكبيرة الراحلة أمينة المعداوى، للعثور على موقع تصوير يشبه مكان لقاء الرئيس جمال عبدالناصر بالرئيس تيتو، لكنهما لم يجدا مكانا مناسبا فتم تصويره فى سيدى عبدالرحمن.



تعرض قطاع الإنتاج للوم بتصديه لإنتاج فيلما عن عبدالناصر، ويبدو أن القيادة السياسية فى ذلك الوقت كانت ترى أن توقيت المشروع غير مناسب، وبعد أن ذاع صيت الفيلم فى مرحلة تصويره كان أمر إلغاء إنتاجه بمثابة الفضيحة، فكان من الأولى أن يتم تطفيش المخرج ليوقف الفيلم من نفسه لكن هذه المحاولات لم تفلح مع مخرج بخبرة محمد فاضل (كانوا عاوزين يطفشونى، قالواإننى أضفت مشاهد تحية عبدالناصر، إرضاء للفنانة فردوس عبدالحميد، لكن محفوظ عبدالرحمن أصدر بيانا أكد فيه أننى لم أضف شيئا، وأنه هو الذى كتب المشاهد وعددها ٣٦ مشهدا، لكنه لم يمانع فى تقليلها، واحتكموا لأمين بسيونى رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون فى ذلك الوقت وقال إن المشاهد كتبها محفوظ وليس فاضل، فقلت لممدوح الليثى لماذا تريد حذف المشاهد فقال إن أسرة الرئيس جمال عبدالناصر رفضت ظهور شخصية السيدة تحية، فقلت له مَن من الأسرة فقال هدى عبدالناصر، قلت له بالعكس هى ساعدتنا ولا ترفض، فاتصل هاتفيا بالدكتور خالد عبدالناصر وفتح مكبر الصوت «الأسبيكر» قائلا «مش حضرتكم رافضين ظهور السيدة تحية»، فقال له بالعكس نحن نثق فى الكاتب والمخرج والممثل والممثلة التى ستلعب الدور، بعدها قال لى ممدوح الليثى إن مؤسسة عليا هى التى ترفض، وعلى ذلك تم اختصار الدور إلى ٦ مشاهد فقط، كل ذلك لتعتذر فردوس لكنها قالت لهم «والله لو الدور مشهد واحد هعمله»، فضايقوها فى مسألة الأجر وخصصوا لها مبلغ لا يتناسب معها ١٠آلاف جنيه فقط، وللعلم كل الممثلين وقعوا على بياض ومن بينهم أحمد زكى الذى صور الفيلم بدون أن يتعاقد، وتعاقد بالفعل بعد عرضه وفوجئ بأجره ١٢٠ ألف جنيه فقط فى حين كان يحصل من القطاع الخاص على ٧٥٠ ألفا، وأنا حصلت على ٥٠ ألفا فقط نظير إخراج الفيلم، وما لا يعرفه الكثيرون أن الفنانة سعاد حسنى اتصلت بى فى الرابعة فجرا، وقالت لى «إذا كانت مدام فردوس تنوى الاعتذار عن تقديم الدور فأنا لدى الاستعداد لتقديمه حتى وإن كان مشهدا واحدا».. فشكرتها وأخبرتها أن مدام فردوس لم تعتذر عن الدور).


كان المخرج محمد فاضل مقتنعا تمام الإقتناع أن فيلما عن عبدالناصر لا يجوز تقديمه بالألوان الطبيعية، وإنما كان يرى أن تقديم الفيلم بالأبيض والأسود هو المناسب (عبدالناصر توفى سنة ١٩٧٠، والألوان دخلت التليفزيون سنة ١٩٧٦، فلن تجد لعبدالناصر مقطع ولا صورة بالألوان إلا الصور التى تمت معالجتها، فرفضوا بحجة أنه لا يوجد أفلام خام أبيض وأسود، فذهبت لصديق لى كان مسئولا عن توكيل كوداك فى مصر فطلبت منه أفلام خام أبيض وأسود وقال لى «نجيبها»، فقالوا معامل التحميض فى مصر ليس بها أحماضا خاصة بالأبيض والأسود، فذهبت إلى مدير المعمل واتفقت معه على التحميض بالأبيض والأسود، كان إصرارى على ذلك لأن الألوان ستفصلك عن عبدالناصر، أما الأبيض وأسود سيساعد أكثر على تقديم نفس الجو لهذا العصر، وعندما أصررت على ذلك بدأوا مضايقتى بطريقة أخرى وهى حرق المشاهد بالمعمل، لدرجة أن هناك مشهدا واحدا احترق بالمعمل ٥ مرات، قلت سأحمض الفيلم بالخارج ووافق صفوت الشريف على مضض).




أثناء التحضير للفيلم شعر المخرج الكبير محمد فاضل ببعض المتاعب الصحية، لكنه أصر على تصوير الفيلم، لكن فى اليوم الأخير للتصوير خرج محمد فاضل من موقع التصوير فى السادسة صباحا إلى مستشفى الهرم، وبعد تناول بعض الأدوية والمسكنات خرج وبدأ فى مونتاج الفيلم، وما إن انتهى من المونتاج شعر بمتاعب كثيرة فنقلوه إلى مستشفى قصر العينى، ومنها بسيارة الإسعاف إلى مطار القاهرة للسفر إلى لندن بعد حجز موعد مع أحد الأطباء هناك، كان عليه إجراء جراحة قلب مفتوح وتغيير شريانين، وكان الدكتور مجدى يعقوب وقتها فى هولندا، لكن السفير المصرى الدكتور محمد شاكر تحدث إليه هاتفيا فعاد إلى لندن ليجرى فاضل الجراحة فى صباح اليوم التالى.


وقتها أرسل ممدوح الليثى مديرة الإنتاج أمينة المعداوى وكمال أبوالعلا لعمل المكساج، لأن صفوت الشريف أصر على عرض الفيلم فى افتتاح مهرجان الإذاعة والتليفزيون فوافق فاضل بشرط أن يعيد المكساج فور قيامه من أزمته الصحية، وهو ما وافق عليه ممدوح الليثى وصفوت الشريف وما إن عاد حتى قام بعملية المكساج فى لندن على يد «مكسير» سلسلة أفلام جيمس بوند الذى كان سعيدا جدا بصوت أحمد زكى، وطلب الصوت الأصلى لجمال عبدالناصر وقرب نبرة الصوتين من بعضهما البعض.

المصادر: بوابة الفجر

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.
إرسال تعليق (0)