كواليس مسلسل "خالتي صفية والدير"

هوايات
0






 ما إن قرأت الكاتبة الكبيرة يسر السيوى رواية «خالتى صفية والدير»، للأديب الكبير بهاء طاهر، حتى قررت أن تصيغ لتلك الرواية سيناريو تليفزيونى، رأت يسر فى الرواية دراما صاخبة، وشخصيات ثرية، وأماكن متنوعة لعرض أحداث المسلسل، وما إن انتهت من كتباته قدمته لممدوح الليثى رئيس قطاع الإنتاج فى ذلك الوقت، ليرشح بدوره المخرج الكبير إسماعيل عبدالحافظ لإخراجه.


1- مفاجأة شريهان


كان دور «صفية» فى رواية بهاء طاهر، وفى سيناريو يسر السيوى، من الشخصيات شديدة التعقيد، كونها تتعرض لصراع داخلى بين حبها لـ«حربى»، الذى قدم شخصيته الفنان الكبير الراحل ممدوح عبدالعليم، ورغبتها فى الانتقام منه كونه قتل زوجها، فقد حل الحقد محل الحب، وحلت الرغبة فى الانتقام، محل الوحشة التى تركها حربى فى قلبها، بعد زواجها من خاله عسران.


ولصعوبة أداء التركيبة النفسية للشخصية، كان للمخرج الكبير الراحل إسماعيل عبدالحافظ وجهة نظر خاصة جدا، فى ترشيح ممثلة تقدم الدور، ووقع اختيار عم إسماعيل رحمه الله، على الفنانة الاستعراضية الكبيرة شريهان، وقتها لم تكن شريهان قد قدمت فى الدراما التليفزيونية ما يشفع لها لتقديم شخصية شديدة الصعوبة مثل شخصية «صفية»، ووقتها لم يكن العمل يتم تسويقه باسم البطل أو البطلة، بينما كان القطاع الاقتصادى باتحاد الإذاعة والتليفزيون قد انتهى من تسويق المسلسل، حتى من قبل أن يتم تصويره.


 


إذن ما الهدف من وجود شريهان؟، هل لاستغلال اسمها الكبير لتسويق العمل الذى سوُق بالفعل؟، أسئلة كثيرة حاصرت المخرج الكبير الراحل عن جدوى وجود شريهان فى هذا العمل، خاصة أنها لم تقدم للدراما التليفزيونية وقتها سوى مسلسل «رحمة» 1987 فى عز مجدها وأوج تألقها، تأليف كرم النجار وإخراج إبراهيم الشقنقيرى وشاركت بطولته النجم الكبير الراحل عبدالله غيث وعمر الحريرى وعماد رشاد ولم يحقق العمل نجاحا يذكر.


لكن المخرج كان قد استند فى وجهة نظره على ما قدمته شريهان من مستوى تمثيلى فى فيلم «الطوق والأسورة» المأخوذ عن قصة ليحيى الطاهر عبدالله صاغ لها السيناريو والحوار خيرى بشارة الذى قام أيضا بإخراج الفيلم فى عام 1986، علاوة على رهان عم إسماعيل أن باستطاعته أن يخرج إمكانيات تمثيلية من شريهان لم تقدمها مع مخرج قبله.


وفى النهاية وافق قطاع الإنتاج على ترشيح شريهان للعب بطولة المسلسل أمام ممدوح عبدالعليم، وبدأت الاستعدادات الفعلية، بإجراء بروفات الترابيزة التى اعتاد أن يجريها المخرج الكبير الراحل قبل بداية تصوير أعماله، بعد أن رشح ممدوح عبدالعليم وسناء جميل وعمر الحريرى وحمدى أحمد للعب البطولة.


2- اعتذار؟.. أم استبعاد؟


قابلت شريهان ترشيحها بحماس كبير كان نتيجته توقيعها على عقد لعب بطولة المسلسل، ربما لثقتها فى اسم المخرج الكبير، أو لحبها للشخصية من خلال الرواية، وربما إعجابها بسيناريو يسر السيوى، تعددت الأسباب والموافقة واحدة.


لكن بعد أن بدأت بروفات الترابيزة، التى كان يجريها المخرج بواقع قراءة خمس حلقات فى اليوم الواحد، فوجئ الجميع بغياب شريهان، لم تحضر النجمة الكبيرة التى راهن عليها المخرج أى بروفة من بروفات التحضير التى عُقدت فى قاعة البروفات بجوار ستوديو 5 بمبنى التليفزيون بماسبيرو.


 


ونظرا لضيق الوقت، فوجئ العاملون بالمسلسل بأن عم إسماعيل يتصل بالنجمة الكبيرة بوسى، ويرشحها للعب بطولة العمل بدلا من شريهان التى لم تكن قد أعلنت اعتذارها عن البطولة، وسألت بوسى عن الأخبار المنتشرة الخاصة بلعب شريهان لبطولة المسلسل، فأخبرها المخرج الكبير الراحل بأن شريهان اعتذرت، وقتها طلبت بوسى أن تتصل بشريهان لتستأذنها قبل الدخول لتصوير دور «صفية» فأخبرها المخرج بشكل قاطع أنها اعتذرت.. وأن عليها الرد خلال يومين نظرا لضيق الوقت، ووافقت بوسى بالفعل ووقعت عقد بطولة المسلسل بعد يومين فى مكتب رئيس قطاع الإنتاج ممدوح الليثى.


أغلب الظن أن الحماس الكبير الذى ظهر على المخرج فى اختيار شريهان ودفاعه عن اختياره حتى اللحظات الأخيرة، تحول إلى شعور بالخذلان بعد تغيبها عن بروفات الترابيزة، خشية أن تكرر هذا الغياب فى أيام التصوير، فقرر استبعادها من المسلسل، وربما تكون قد اعتذرت له عن القيام به فيما بينهما.


سألت المخرجة أمل أسعد، وكانت فى ذلك الوقت هى المخرج المنفذ للمسلسل والذراع اليمنى للمخرج الكبير الراحل، عن النجمة الكبيرة بوسى التى كانت تقدم أول أدوارها باللهجة الصعيدية، وظن جميع العاملين بالعمل أنها ستتلعثم، وتعيد الكثير من المشاهد، لكنها نفت ذلك، بل وأكدت أن بوسى كانت مفاجأة العمل بسرعة بديهتها وإتقانها الشديد للهجة الصعيدية فى زمن قياسى.


أخبرتنى أمل أسعد المخرج المنفذ للعمل عن التحضير للعمل وجداول التصوير والسفريات، علاوة على السفر لعمل المعاينات واختيار الدير الذى سيتم فيه التصوير، وقالت لى أن المخرج الراحل كان يريد التصوير فى «دير» بالبر الغربى يكون على ربوة عالية بحيث يكشف البلدة من أعلى.


3- ممنوع دخول الدير


وشهدت رحلة المعاينة، لاختيار أحد الأديرة للتصوير فيها، بعض الأحدث التى كشفت عنها أمل للمرة الأولى (قبل السفر للمعاينة فى الأقصر، اعتمدت أسرة المسلسل على شاب مسيحى على علاقة صداقة قوية بالعاملين بالمسلسل وكان اسمه هانى، وقال لنا إن الدير الذى سنقوم بمعاينته عبارة عن تحفة فنية، وسافرت مع المخرج إسماعيل عبدالحافظ، ومهندس الديكور سيد أنور، ووصلنا إلى الدير، وفتحت لنا راهبة، أخبرها هانى أننا نريد المعاينة وبصحبته المخرج الكبير إسماعيل عبدالحافظ، لتصوير عدد من مشاهد المسلسل فى الدير، فرفضت الراهبة دخولهم وقالت كان يجب أن تخبرونى قبلها بفترة، لأن الدير لا يضم سوى راهبات.. ولا يجوز أن أدخل عليهن رجالا، وكان الحل الوسط أن أدخل أنا كونى الفتاة الوحيدة لمعاينته).


دخلت أمل أسعد إلى الدير من الداخل بعد إغلاق الباب الحديدى وبقاء المخرج ومهندس الديكور ومرشدهما هانى بالخارج، وفى داخل الدير بدأت أمل المعاينة (شاهدت القاعة، وذهبت بصحبة الراهبة لرؤية القلايات، وهى غرف صغيرة وطويلة، عبارة عن حائط أسمنتى، بها أقفاص كبيرة مغطاة بكليم أو سجادة، وسقف القلاية أشبه بالقبة المخرومة، وعزمت علىَّ الراهبة بالشاى والقرص قائلة اتفضلى المناولة، وبدأت أكتب كما أوصانى عم إسماعيل، كل الآيات والنصوص المنقوشة على جدران الدير، حتى نكتب بعضها فى بيوت الشخصيات المسيحية ضمن أحداث العمل، وفى النهاية وبعد الترحيب وتقديم واجب الضيافة طلبت منى الراهبة طلبا لن نستطيع التصوير بدونه.. وهو ورقة موافقة بتوقيع البابا شنودة شخصيا، مرفق بها المشاهد التى سيتم تصويرها لمراجعتها وإجازتها من الكنيسة ).


وبعد نهاية المعاينة فى الدير، ذهب المخرج ومساعدته ومهندس الديكور إلى دير آخر كان خاصا بالرهبان، وكان أغلبهم شباب اتجهوا للرهبنة بعد الحصول على شهادات جامعية، وكان على جبل أعلى من حيث الموقع مقارنة بالدير الخاص بالراهبات، ومنه يمكنك مشاهدة النيل ومزارع القصب والموز بجوار البر الغربى، ووقع اختيار المخرج عليه فى النهاية لتصوير مشاهد المسلسل، ورحب الدير بأسرة المسلسل خاصة الفنان الكبير الراحل ممدوح عبدالعليم، وبقوا فى ضيافتهم عشرين يوما تقريبا ليثبتوا أن الدين لله والمحبة للجميع.


4- كوارث فى الأقصر


بعد أن افتتح المخرج الكبير الراحل إسماعيل عبدالحافظ، تصوير مشاهد المسلسل بديكور الفنانة الكبيرة سناء جميل التى قدمت شخصية «حسنية»، وزوجها «إبراهيم» حمدى غيث، فى استوديو نحاس بالهرم، انتقل بعدها إلى نزلة السمان لتصوير سراى «القنصل عسران» من الخارج، بينما المشاهد الداخلية تم بناء الديكور الخاص بها فى ستوديو نحاس أيضا، بعدها أعدت أمل أسعد المخرج المنفذ جدول التصوير، والتنسيق لسفر الممثلين والممثلات، سواء بالطيران أو القطارات، وكان المدهش أنها أعدت الجدول على فرخ ورق رسم هندسى، مما أثار دهشة ممدوح الليثى، وتقرر السفر بالفعل لقضاء 25 يوما للتصوير بالأقصر، لم تخل من الأحداث المفاجئة التى وصلت لحد الكوارث!.


وضعت المخرجة المنفذة للعمل جدول التصوير، بعد أن تلقت تعليمات من رئيس قطاع الإنتاج بضرورة الحصول على إجازة من التصوير فى أيام «الجمعة» لكونه لا يريد دفع أجور مضاعفة للعاملين فى هذه الأيام، وفى يوم التصوير الأول بالدير، وضعت أمل 7 مشاهد طويلة لتصويرها، وبدأت الكاميرا فى الدوران من السابعة صباحا، وبعد نهاية اليوم وإتمام جدول التصوير على أكمل وجه، وعند مراجعة المشاهد على المونيتور سأل المخرج المهندس المسئول «هو المونيتور ده فى لون زيادة؟» فأخبره أن العيب ليس فى المونيتور بينما فى الكاميرا التى تم التصوير بها، ليجد المخرج أن المشاهد السبعة التى تم تصويرها غير صالحة هندسيا للعرض وتم استبعادها تماما من المسلسل.


أمل أسعدت قالت لى أن حل أزمة السبعة مشاهد كانت تنحصر فى توزيعها على بقية الأيام، وقلت لعم إسماعيل (متقلقش أنا هتصرف.. ووزعت المشاهد على باقى البرنامج، لكننا كنا مضغوطين بشدة، ليحدث بعدها ما لم يكن فى الحسبان.. فبعد مرور أربعة أيام تقريبا فوجئت بهم يتصلون من الفندق الذى ينزل فيه عم إسماعيل وكان فندق الشيراتون واستدعونى إلى هناك، لأجد أن درجة حرارته أوشكت على الأربعين، وينتفض ويتصبب عرقا، ويشعر بمغص شديد فى معدته، ووجدته رغم هذه الحالة مرتديا ملابسه ويستعد للخروج، لكننى قلت له لن تخرج للتصوير، فحتما لو خرجت لتعرضت لانتكاسة ويومها بدلا من الحصول على يوم راحة، ستحتاج إلى عشرة أيام، لازم يا عم إسماعيل تعمل فركش النهارده، وبعد محاولات مضنية وافق، وفى اليوم التالى ظل على حالة التعب، وأصر على الخروج حتى لا يُكلف التليفزيون يوم تصوير زيادة على البرنامج الموضوع وتحددت بناء عليه الميزانية، وكان الحل الوحيد أن يرتدى ملابس ثقيلة وأيس كاب صوف علاوة على الحصول على بطانية من الفندق ولفه بها، وذهب للتصوير على هذا الحال، وأعطانى المشاهد وقد عمل الديكوباج وجلس فى الشمس ليشرف على تنفيذها من بعيد).


5- القداس.. والتصوير


كان الشرط الوحيد للدير قبل الموافقة على تصوير أحداث المسلسل به أن يتم وقف التصوير وقت القداس، وكان ينتهى فى التاسعة من صباح يوم الأحد، كانت أسرة المسلسل تصور من السابعة صباحا، ثم تتوقف لتتم إقامة القداس، وبعد نهايته يعاودون التصوير.


وأثناء القداس كانوا يجلسون جميعا بالخارج، وفى إحدى المرات طلب المخرج البحث عن مدير التصوير كمال صبحى، لم يجدوه أبدا، وفى النهاية كان يحضر القداس بالداخل.


أسرة المسلسل ظلت فى الأقصر لمدة 25 يوما، وتصادف وجود الفنان الكبير صلاح السعدنى والمخرج الكبير جمال عبدالحميد بالأقصر لتصوير مسلسلهما العظيم «حلم الجنوبي» ونزلوا فى نفس فندق الإقامة مع المخرج إسماعيل عبدالحافظ.. وكلاهما كان من إنتاج قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى.


6- حنان مفيد فوزى


انتهت أيام الأقصر، وبدأ بعض التصوير الخارجى، وبعض المشاهد فى ستوديو نحاس، ولم تنس أمل أسعد عندما تسبب أحد أيام التصوير فى نشوب خلاف أو خناقة كوميدية بين الفنانة الكبيرة الراحلة سناء جميل والفنان حمدى غيث، فكلاهما كان شريكا فى ديكور الشقة كونهما زوجين فى أحداث المسلسل.


وفى أحد أيام التصوير طلبت أمل من سناء جميل تأجيل مشاهدها فى اليوم التالى نظرا لذهابها إلى زفاف الإعلامية حنان ابنة المحاور الكبير مفيد فوزى، ودخل حمدى غيث قائلا «جرى إيه يا ست أمل ما تبقى تظبطيلى مواعيدى زى ما بتعملى معاها..»، وظلت سناء جميل تتحدث بالفرنسية وحمدى غيث يقول لها «إنتى بتقولى إيه ما تكلمينى عربى..» وانتهى الموقف بضحكهم جميعا بعد أن تدخل المخرج الكبير إسماعيل عبدالحافظ الذى دخل فى نوبة من الضحك.


المصادر : محمد مسعود بوابة الفجر


إرسال تعليق

0 تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.
إرسال تعليق (0)