التباري الفني المشروع

التباري الفني المشروع


د.ذكي السيد
لاشك أن ما تشهده الساحه الدراميه المصريه من وهن وانحدار تام للقيم والمبادئ المجتمعية، يحدو البعض منا للعوده إلى نوستالجيا الزمن الجميل حيث الأعمال التراثيه القيمه ، والتي كانت ولازالت ناقوسا   للابداع و الفكر الراقى الذى شكل هوية مجتمعنا فى حقبة  من ازهى عصوره...
وحقا لقد تبوأت الدراما المصريه القمه والرياده فى حقبتى الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم ، تلك الحقب الفنيه التى تخللها من الأسس والأليات ، ما أسهم جليا فى الارتقاء بالفكر والثقافه المجتمعية ، على نحو حدا بالبعض إلى وسمه " بالعصر الذهبى للدراما"...
ولعل ماتحاكيه فكرة "الإبداع المؤصل" و التى أرسى دعائمها عمالقة تباروا فى إبراز مواهبهم الفنيه ، ايمانا منهم بتقديم الافضل دائما تأصيلا منهم للفكر الراقى والقيم المجتمعية الفاضله و التى تمثل هوية المجتمع وصلب بنائه  ، قد مهدت السبيل نحو الرياده الدراميه لتلك الحقبه الفنيه.
وحقا يذكر أن رواد الدراما أنذاك ، قد برعوا فى تقديم لوحات حافلة بالإبداع الفنى المؤصل أداءا ، الراقى المتميز فكرا ، و الساعى نحو إعلاء القيم المثلى والأخلاق الفضلى، فكانت الشاشة الصغيره بمثابة ساحة نزال يتبارى فيها كبار النجوم لإبراز طاقاتهم الإبداعية بحثا عن الريادة والتميز داخل نطاق العرض الدرامى الواحد ، وحرصا منهم على تبوأ العمل للرياده أمام نظائره من الأعمال الراقيه الأخرى...
ان القارئ الجيد للمحفل الدرامى التى شهدته تلك الحقبه الفنيه ، يدرك جليا عظم ما شهدته من تنافس فنى أيجابى ، كلل ثماره لصالح ماقدم من أعمال رصدت ذهبيه هذا العصر الدرامى...
ولعل أبرز حلقات التبارى الفنى المشروع ان لم يكن أبرزها على الإطلاق  ، ما شهدته ساحة العرض للمسلسل العربى الاشهر والأكثر امتاعا على الصعيد العربى " ذئاب الجبل " ، فقد كانت حلقات العمل بمثابة ساحة نزال تبارى فيها العظيمين " عبد الله غيث ، واحمد عبد العزيز " ، فعلى الرغم انه لم يكن اللقاء الأول بينهما على الشاشة الصغيره ، فقد سبقه عدة أعمال خلدت تاريخ الدراما مثل " موسي بن نصير ، لا اله الا الله ، المال والبنون" ، إلا أن هذا العمل تحديدا خلق مساحة كبيرة للتنافس والتبارى الفنى المشروع بينهما ، حيث عمد كل منهما إلى ترسيخ طاقاته الإبداعية الإيجابية للوصول إلى العلامة الكامله لجودة العمل الدرامى وليثبت كل منهما انه الافضل وسط نظرائه  ...
لقد رسخ العمل فكرة النقيضين " الخير والشر " ، " الظالم والمظلوم " ، فعمد ابطاله سالفى الذكر إلى إبراز هذا المضمون بصورة فنية خالصه ، فنجد"  عبد الله غيث" قد أبدع وبرع فى تجسيد فكرة الشر ولكنه أضفى إليها طابعا كوميديا ليخفف من وطأة الشر المؤصل فى الشخصيه ، فكان ادائه غاية الإبداع  والتميز والرقى...
على النقيض تماما أصل ملك الدراما " احمد عبد العزيز " فكرة الخير من خلال الشخصيه التى مزجت بين طياتها مضمون الحنو الممزوج بالعصبيه القبليه للعادات والتقاليد المتوارثه ، وحقا يذكر لقد كان أداء عبد العزيز استثنائيا ، فعلى الرغم من عظم ابداعاته السابقه فى أعمال أخرى ، إلا أنه ما رصده من ابداعا راقيا فى الأداء و قدرته التامه على التحول فى تركيب الشخصيه ومكنونها من الصعيدى الثأئر للتقاليد والأعراف إلى الشخصيه المدنيه التى يعلوها الطموح والرقى الحضرى..هو غاية الإبداع والتألق و التى يصعب على اى فنان اخر ان يؤديها بتلك الجدارة وهذا التميز ..، ولعل فى مشهد الهروب مايلخص برمة ما سبق ....
- حقا لقد رصد رواد الدراما " عبد الله غيث ، احمد عبد العزيز " آلية جديده لمكنون التبارى الفنى النزيهه...


إرسال تعليق

أحدث أقدم