الشخصيات التى قدمها نجيب محفوظ في رواياته وانتقلت بعد ذلك الى السينما هي شخصيات ابن البلد ـ غالبا ـ في صوره المختلفة، وهى دائما شخصيات مطحونة جائعة للمال كما في «النمرود» وجائعة للجنس كما في «شباب امرأة» وتجد نفسها مدفوعة إلى الجريمة كما في «إحنا التلامذة»، و«جعلوني مجرما»، وهى شخصيات ضعيفة تبحث عن حل لها كما في «الهاربة»، وفى بحثها عن الحل تخطىء الطريق غالبا كما في «الفتوة» و«احنا التلامذة». اما شخصية المجرم، فقد تمت معالجتها اكثر من مرة من زوايا مختلفة بحيث يمكن ان تعطينا صورة واضحة لطبيعة الجريمة وطبيعة المجرم في ملابسات اجتماعية معينة. وقد شاهدنا ذلك في «لك يوم ياظالم» و«ريا وسكينة» و«الوحش» و«جعلوني مجرما» و«فتوات الحسنية» و«المذنبون» و«أهل القمة».
وهناك أيضا البطل الباحث عن خلاص، الأب المفقود، الأم ذات الماضي الملوث، الشيخ، العاهرة الفاضلة، الفتوة، المرأة الفاتنة الغاوية، المحبوبة التى تمثل النقاء، المخبر ممثل السلطة، وإلى جانب ذلك كله الرحلة من الفقر إلى الثراء ثم العودة إلى الفقر من جديد، ولقاء الشباب بالكهولة، وصراع دائم لا ينتهي بين الخير والشر، وحيرة لا تزول بين الاختيار والجبر، وانتظار مرير للحظة تقرير المصير.
وإذا كنا نتحفظ في إطلاق أحكام عامة على أعمال نجيب محفوظ، فإن من الأقرب للصواب أن نذكر أن هذا المزيج من الأدب الرفيع، والصورة السينمائية، والنظرة الصوفية، والعناصر الميلودرامية، وتعدد مستويات الدلالة تتيح قراءات مختلفة لنفس العمل سواء كان في مرحلته الأدبية أو في حالة ترجمته على الشاشة مرئيا. وتتيح أيضا المجال واسعا للاقتراب من ملامح البطولة في سينما محفوظ من خلال أكثر من اتجاه وأكثر من رؤية واحدة.
نجيب محفوظ، أقرب الأدباء العرب في علاقته الحميمة بالسينما، ليس فقط من حيث عدد رواياته التى تحولت إلى أفلام، وإنما أيضاً من خلال قيامه بكتابة السيناريو مباشرة للسينما لعشرات الأفلام .. وهو أول أديب عربي يكتب للسينما فقد بدأ عام 1945 وكان أول أفلامه «مغامرات عنتر وعبله» وبعده كتب سيناريو فيلم «المنتقم» وان ظهر فيلم «المنتقم» عام 1947 قبل فيلم «مغامرات عنتر وعبلة» الذى تأخر ظهوره لأسباب إنتاجية حتى عام 1948، والفيلمان من إخراج صلاح ابوسيف. ويعتبر نجيب محفوظ اكثر الأدباء المصريين اعمالا في السينما ويليه في الأهمية من هذه الناحية احسان عبد القدوس.
وتحتل الأفلام التى كتب لها نجيب محفوظ السيناريو أو القصة أو اخذت عن اعماله الأدبية مكانه خاصة في تاريخ السينما المصرية لعاملين أولهما انها كانت غالبا من اخراج أفضل المخرجين المصريين بغض النظر عن اتفاقنا اواختلافنا في تقييم هؤلاء المخرجين أمثال صلاح ابو سيف ويوسف شاهين وكمال الشيخ وعاطف سالم وحسام الدين مصطفى وحسن الإمام وحسين كمال ثم اشرف فهمي وعلى بدرخان وعاطف الطيب وسمير سيف، وثانيهما انها كانت دائما تمثل لدى كل مخرج افضل أفلامه أو على الأقل من أفضلها.
ولم يكن غريبا بعد ذلك أن نجد من بين احسن مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية التى حصرها الناقد سعد الدين توفيق احد عشر فيلما من الأفلام التى كتب لها نجيب محفوظ السيناريو او القصة او هما معا وستة أفلام من الأفلام التى اخذت عن رواياته فيكون المجموع 17 فيلما من المائة وهى بحسب ظهورها ( لك يوم ياظالم – ريا وسكينة – الوحش – جعلونى مجرما – درب المهابيل – شباب امرأة – الفتوة – جميلة – احنا التلامذة – بين السما والأرض – بداية ونهاية – اللص والكلاب – الناصر صلاح الدين – الطريق – القاهرة 30 – خان الخليلى – السمان والخريف. ويمكن أن نضيف الى هذه القائمة مجموعة أخرى من الأفلام التى ظهرت بعدها مأخوذة عن إعمال نجيب محفوظ وأشاد بها النقاد ومنها ( السكرية – الحب تحت المطر – الكرنك – اهل القمة – الشيطان يعظ – ايوب – المطارد – الحب فوق هضبة الهرم – الجوع ).
وتنقسم أفلام نجيب محفوظ الى ثلاث مجموعات الأولى هي الأفلام التى كتب لها مباشرة السيناريو أو القصة أو هما معا أو شارك في كتابة السيناريو لها مع آخرين، والثانية هي الأفلام التى اخذت عن رواياته، والثالثة هى الأفلام التى اخذت عن قصصه الأدبية القصيرة المنشورة.
وبقدر ما عرف الأديب الكبير من روتينية في حياته اليومية، وهو الذى قضى الجانب الأكبر من حياته موظفاً حكومياً منضبطاً، مما انعكس حتى على حياته الإبداعية والشخصية من التزام صارم في مواعيد الكتابة أو التوقف عنها، أو حتى جلساته الدورية مع أصدقائه من الحرافيش، فإن ذلك فيما يبدو كان وسيلته للتحكم الواعي والجمالى إن شئت الدقة في وجدانه الذى تضطرم فيه الأفكار والعواطف، بين الإنكار واليقين، أو بين اليمين واليسار، أو بين الانغماس المادي في الحياة والترفع الصوفي عنها ـ إن هذا الوجدان الثرى ـ يتجلى في صور عديدة في أعماله الأدبية وايضا على تلك الأعمال السينمائية التى اخذت عن اعماله ويتجلى أيضا في أعماق إبطاله كلما اقتربنا منها لتقصى ملامحها.
كان «بداية ونهاية» عام 1964 هو أول الأفلام المأخوذة عن رواية لنجيب محفوظ وقد نجح صلاح ابوسيف في متابعة أفراد الأسرة التى عالجتها هذه الرواية متابعة دقيقة تكشف عن أزمتها بعد موت عائلها ومايدور داخل افرادها من صراعات، والفيلم يعطينا عموما – كما تعطينا الرواية – صورة مقربة لما تعانيه أسرة مصرية تعيش في ذيل الطبقة البرجوازية الفقيرة، ويمكن القول ان البطولة قد تم توزيعها في هذا الفيلم على حسن وحسين وحسنين اضافة الى الأخت نفيسة. كما نجح عاطف سالم في ان يعبر بصدق عن ميلودراما «خان الخليلي» العاطفية عام 1966 التى قدمت لنا كهلا مترددا «عماد حمدى» يقع في حب بنت الجيران الصغيرة «سميرة احمد» لكن اخاه حسن يوسف يسبقه إليها فيتراجع الكهل ويموت الأخ قبل ان يتزوج بها ويتلقى الكهل صدمة اخرى من القدر الذى لم يترفق به بعد ان اصابه بالخيبة في حبه الأوحد.
وعن رواية نجيب محفوظ «القاهرة الجديدة»، أخرج صلاح ابو سيف فيلم «القاهرة 30» وفى الفيلم أغفل اثنين من ابطال الرواية الثلاثة، واكتفى بالتركيز على أهم هذه الشخصيات، وهو الطالب الفقير محجوب عبد الدايم «حمدى احمد» الذى يفقد إحساسه بالكرامة تحت وطأة الفقر الشديد حتى انه لا يجد مانعا من الزواج من احسان ليضمن وظيفة. أما الأفلام الثلاثة التى أخرجها حسن الامام في الستينيات عن روايات لنجيب محفوظ وهى حسب تسلسل ظهورها هي «زقاق المدق» و«بين القصرين» 1964 و«قصر الشوق»1967، فقد اخذت عن روايات مستعرضة تتناول شخصيات عديدة واحداثا كثيفة متشعبة يستحيل معها اصلا ترجمتها ترجمة كاملة في فيلم سينمائي ولهذا كان حسن الامام يختار من بين احداث القصة ما يكفى ليكون فيلما ويترك الباقي. في «زقاق المدق» تقتصر الاحداث على قصة الحب بين حميدة «شادية» وعباس الحلو «صلاح قابيل» وفى جزئي الثلاثية «بين القصرين» و«قصر الشوق» استأثرت مغامرات عبد الجواد «يحيى شاهين» الجنسية وابنه ياسين «عبد المنعم ابراهيم» باهتمام المخرج اكثر من اى شى اخر. ووقع حسام الدين مصطفى في نفس الخطأ بالاهتمام بالمشاهد الجنسية في فيلمي «الطريق» 1965 و«السمان والخريف» 1968 وقد اكتفى بمتابعة الأحداث الظاهرية دون ان يغوص الى مغزاها ففقد البحث عن الأب في الطريق دلالته الايجابية، كما عجز الفيلم الثاني عن تحليل مشاعر عيسى الدباغ.
وفى «اللص والكلاب» 1963 استأثرت المطاردات في نصفه الأخير باهتمام مخرجه كمال الشيخ على حساب تحليل شخصية البطل، اما فيلم كمال الشيخ الثاني عن روايات نجيب محفوظ وهو فيلم «ميرامار» 1969 فقد انتهى الى عكس ما ترمى اليه الرواية الأصلية حين جعلنا المخرج نميل الى «البك» السابق طلبة مرزوق يوسف وهبى واكتفى من شخصية الاقطاعى حسنى علام «ابو بكر عزت» بجانبها الفكاهى وصالح بين زهرة «شادية» وبائع الجرائد «عبد المنعم ابراهيم». وفى «السراب» 1970 نجح انور الشناوي في ترجمة المغزى التربوي للقصة بما قدمه من دراسة لحالة عجز جنسي.
في «السراب» لعب نور الشريف أول بطولة مطلقة حيث جسد شخصية كامل البطل الشاب الذى دللته امه كثيرا واستطاعت الأم من شدة حبها وتدليلها ان تحوله – دون قصد – الى انسان بلا إرادة غير قادر على التصرف. وتصدم الزوجة في ليلة زفافها في رجولة كامل، ولكنها تكتشف بعد مضى الوقت انها ليست سوى حالة نفسية سببها الظروف غير الطبيعية التى مرت به. لكنه شيئا فشيئا يسترد ثقته في نفسه وفى رجولته التى ظن انها ولت ولن تعود.
ويأتى «ثرثرة فوق النيل» لكاتبه ممدوح الليثى اقرب الى فحوى الرواية من فيلمه السابق «ميرامار» بما طرحه من مظاهر الانحلال لمجموعة أصدقاء العوامة، بالإضافة الى حواره المليء بالسخرية والمرارة من الأوضاع الاجتماعية المتردية. كما يأتي «السكرية» 1973 أقربها إلى النص الذي يرصد حركة الجيل الثالث من أسرة السيد عبد الجواد وقد توجه احدهم «عبد المنعم» إلى الدين بحثا عن الخلاص وتوجه الأخر «احمد» حسين الامام الى اليسار بحثا عن العدل. أما الثالث «رضوان» محمد العربي فاعتمد على وسامته وعلاقته الشاذة بأحد البشوات للوصول الى الطبقة العليا بينما يغرق «كمال» ابن السيد عبد الجواد في رومانسيته وأحلامه الفلسفية ويحاول الفيلم بذلك ان يقدم ماتقدمه الرواية من تصوير صادق لاينقصه التحليل عن مجتمع ماقبل الثورة ومايرهص به من أحداث.
ويمثل «الشحات» بعد «السمان والخريف» التجربة الثانية المشتركة في ترجمة نجيب محفوظ الى السينما لكل من احمد عباس صالح كاتب السيناريو وحسام الدين مصطفى مخرجا. والروايتان من الأعمال الأدبية الصعبة على اللغة السينمائية حيث الاعتماد الأكبر فيهما على تحليل المشاعر والمنولوجات والأفكار الداخلية للشخصية. وكل منهما تتناول أفكارا فلسفية مجردة. ولم توفق التجربة الثانية كسابقتها في التعبير عن موضوعها : الثورى الباحث عن اليقين بعد ان تخلى عن ثوريته تحول فى الفيلم الى مجرد منحرف يلاحق الراقصات «محمود مرسى» وان كنا نراه مهموما دائما لكننا لانفهم السبب ولانتعرف على حقيقة أزمته الروحية التى بدت كما لو كانت مجرد الملل من الحياة الزوجية او الهروب من شعور بالذنب ناحية زميله المحكوم عليه بالسجن لأسباب سياسية. وتحولت بذلك المشكلة الفكرية في الرواية الى مشكلة أخلاقية في الفيلم الذي لم يترفع عن استغلال المشاهد الجنسية المثيرة كالعادة. ويمثل كل من «الحب تحت المطر» و«الكرنك» ذروة من ذروات النضج القليلة التى تصل الى ارقي مستويات المعالجة السينمائية لروايات نجيب محفوظ.
في «الحب تحت المطر» يكشف حسين كمال بعمق ولغة سينمائية رفيعة عن معاناة الشباب وما اصابه من انهيار بوقوع النكسة ويتميز الفيلم عن كل ماعداه من أفلام تناولت مواضيع مماثلة بميزتين الأولى انه تجنب استخدام مشاهد الإثارة الجنسية المعهودة رغم أنها كانت متاحة فعبر عنها ولم يقدمها. والميزة الثانية والاهم ان الشباب رغم سقوطهم تحت ظروف القهر الاقتصادي الساحق وهبوط الروح المعنوية بسبب الهزيمة وانهيار المثل وفقدان القدرة لم يتحول عنده السقوط الى عقد تسلمه الى العجز فهو يرفض السقوط الذى يقع فيه ويدينه ويقاومه دون خطابية ويكتشف بنفسه طريقه للخلاص من خلال خبرته الذاتية على مسار حياته اليومية.
وعن معاناة الشباب يجسد فيلم «الكرنك» ماجاء في الرواية من تلفيق للتهم وتعذيب بشع وتحطيم للكرامة الإنسانية في نفوس شباب الثورة باسم الحفاظ على الأمن والحفاظ على الثورة. وعندما يلجأ الشباب إلى عضو مجلس الشعب يتم القبض عليه هو الآخر ويزداد التعذيب في كل مرة حتى يصل إلى اغتصاب الطالبة زينب امام زميلها وخطيبها ولايفرج عنهما الا بعد التعهد بالتجسس على زملائهما بينما يموت زميل آخر من شدة التعذيب.
الذين هاجموا الفيلم والذين صفقوا له دخلوا في سجال، كلما انتهى بدأ من جديد، وشحذ كل فريق أسلحته وتبريراته وحججه وبراهينه، وكان الفائز أيامها هو المشاهد الذي تعرف ربما للمرة الأولى على بعض ما كان يحدث أيام ثورته المجيدة، وتعرف أيضا على بعض ملامح البطل التى تشوهت كثيرا بعد هزيمة 67 وخلال فترة السبعينيات .
وفى فيلم «أميرة حبى أنا» المأخوذ عن قصة قصيرة من مجموعة «المرايا» سنجد البطل حسين فهمي يتورط في زواج مصلحة من ابنة صاحب الشركة التى يتخلص منها ومن الشركة عندما يعثر على حبه الحقيقي سعاد حسنى. غير ان الفيلم يبدو تكرارا لفيلم «خلى بالك من زوزو».
وفى الثمانينات يصل تواجد نجيب محفوظ على الشاشة الى ذروته العديدة حيث يبلغ عدد أفلامه 17 فيلما وتصل الاستعانة بقصصه الى ذروتها أيضا بحيث تمثل بالنسبة الى ماسبق قفزة عددية ونوعية بارزة. كل أفلام هذا العقد مأخوذة عن قصصه القصيرة في ما عدا فيلمين فقط. والملاحظ ان ملحمة «الحرافيش» استأثرت بنسبة كبيرة منها حيث اعتمدت ستة أفلام على بعض ما جاء بها من حكايات وبالإضافة الى هذه الأفلام السته نجد ثلاثة أفلام اخرى من عصر الفتوات أيضا لتصبح تسعة أفلام يجمع بينها نفس الجو والشخصيات تقريبا. وخارج نطاق افلام الحرافيش والفتوات التى سادت هذا العقد نجد من الافلام التى تدور احداثها فى الزمن الحاضر وتناقش بعض قضايانا المعاصرة ثلاثة منها جديرة بالاعتبار هى على التوالى «أهل القمة»81 و«أيوب» 84 و«الحب فوق هضبة الهرم» 1986.
فى فيلم «أهل القمة» يقدم اللصوص الجدد الذين استفادوا من قوانين الانفتاح الاقتصادي، وتحولوا الى فئة شديدة الثراء، باهرة الشكل، ترتدى احدث الثياب، وتستخدم افخر السيارات وتتستر أحيانا وراء مظاهر التدين.
والفيلم كما أراد نجيب محفوظ في قصته يضع المواجهة بين ضابط شرطة شاب «عزت العلايلى» ونشال «نور الشريف» وتأتى الصدمة القاسية عندما يعرف الضابط ان ابنة شقيقته على علاقة عاطفية بهذا النشال والذى اصبح الان تاجرا كبيرا والمشكلة ان الابنة تصر عليه حتى بعد ان عرفت حقيقته.
وهكذا يجد هذا الضابط نفسه داخل معركة مع جميع الاطراف. المعركة في بيته .. وفى عمله حيث يحاول المهرب الكبير الافلات من قبضة القانون.. بل ويسعى لاستصدار قرار بنقل الضابط الى صعيد مصر عقابا له.
وينتهى الفيلم .. بانتصار أهل القمة الجدد من اللصوص والمهربين والنشالين. ويمكن اعتبار «أهل القمة» وثيقة هامة تثبت انه فى مجال السينما مثل بقية مجالات الفن والفكر كان هناك من يقول الحقيقة حتى اذا كانت المتاعب من نصيبه. ان البطل زعتر النورى فى الفيلم بطموحاته واحلامه للتسلق واحتلال مكانة جديدة فى عالم جديد تتشكل ملامحة فى تلك الفترة كان تعبيرا عن شريحة كاملة من المجتمع تتهيأ لاحتلال مكان الصدارة فى المجتمع .
وفى فيلم «أيوب» يصاب البطل المليونير بالشلل وينصحه صديقه الطبيب باسترجاع ذكرياته وتسجيلها ويعثر البطل على شفائه بالاعتراف ويعلم الآخرون من أصحاب الملايين بحقيقة الاعترافات فيقاومونه ويحرقون المطبعة وعندما يحاول ان يهرب بنسخة منها يطلقون عليه النار وتتطاير الأوراق في الهواء.
ويمثل «الحب فوق هضبة الهرم» مناقشة جريئة بالصورة والحوار لمشكلة الحب والزواج عند الشباب فى عصر التضخم والانفتاح. ومن الافلام التى تدور فى اطار االاحداث المعاصرة ايضا والتى ظهرت ابان الثمانينيات «الشريدة» و«الخادمة» و«دنيا الله». اما عن افلام «الحرافيش» والفتوات التسعة التى سادت عقد الثمانينيات فأهمها فيلمان جاء احدهما من خارج ملحمة «الحرافيش» وهو فيلم «الشيطان يعظ» وجاء الاخر من داخلها وان استوعب اكثر من حكاية منها صاغها معا فى قصته وهو فيلم «الجوع». وتنوعت ملامح البطل فى افلام الحرافيش بشكل عام مابين البطل المقهور بفعل قوى شرسة وظالمة، والبطل الباحث عن الحرية والعدالة فى عالم تسود فيه شريعة الغاب. وغير هذين الفيلمين يمكن الاشارة الى «فتوات بولاق» 1981 وهو فيلم ملىء بالمعارك والدماء وفيلم «وكالة البلح» 1983 الذى قدم البطلة «نادية الجندى» المثيرة التى تلعب بعواطف الرجال وتسيطر عليهم وتذلهم وهى تنتقل من واحد الى اخر. وفيلم «شهد الملكة» 1985 والذى تدور احداثه حول خادمة تتطلع الى سيدها فتتخلص منها الزوجة بفرض الزواج عليها من الفران. ويلى «شهد الملكة» من افلام ملحمة «الحرافيش» فيلم «المطارد» عن البطل الذى يعود بعد مدة طويلة لللانتقام من ظالميه. وفى «التوت والنبوت» 86 تدور الاحداث حول الفتوة المستبد الذى يذل عائلة الناجى الى ان يظهر البطل وهو الابن الاكبر للعائلة الذى يقود الحرافيش لدفع الظلم واسترداد «الفتونة». وفى «الحرافيش» 86 نجد البطل الفتوة العادل الذى يفسده التصاهر بطبقة التجار الاغنياء فيستبد بالفقراء ويستغل ضعفهم. وفى «اصدقاء الشيطان» 88 نجد البطل الفتوة الذى يخاوى الجن املا فى الخلود.
وعن رواية للكاتب نجيب محفوظ قدم نور الشريف عام 1990 فيلم «قلب الليل». كانت هناك معالجة لقضية فلسفية مهمة أتعبت الفكر الإنساني كثيرا الا وهى قضية الحرية والاختيار مرورا بالأشواق والرغبات التى تعتمل في أعماق وروح والشخصيات فتنطلق لتحطم النواهي والممنوعات. وحاول الفيلم ان يتناول قضية اليقين المهتز بالشكوك والأسرار الغامضة والتى غالبا ما يعجز العقل البشرى عن كشفها او إدراكها. وكانت إطلالة اخرى على بعض ملامح البطل المعاصر الذى ينشغل أحيانا بأزمة الوجود وأزمة البحث عن هوية.
ويمكن ان نجمل الملامح المشتركة التى تميز البطل فى سينما نجيب محفوظ وتضفى عليه طابعا خاصا فمساحة المكان بالنسبة له محدود داخل الأزقة والحواري وهذا المكان ليس مجرد مساحة من الفراغ تتحرك داخله الشخصيات وانما هو شخصية حية بما له من تاريخ وتقاليد تترك بصماتها على الأحداث والشخصيات فضلا على انه يحدد الجو العام للفيلم. ومن الملاحظ في الغالب ان البطل المحفوظى مرتبط دائما بالظروف الاجتماعية التى حوله فى ماعدا «لك يوم ياظالم» و«ريا وسكينة» حيث يبدو الشرير مجرما بطبعه. وفى اغلب الأفلام التى أخذت عن أعماله سنجد البطل المحفوظى غالبا مايمارس دورا مهما فى توجية النقد سواء للنظم والاعراف الاجتماعية او حتى الى المؤسسات والنظم الحاكمة. ويمكن هنا العودة الى «الوحش» و«درب المهابيل» و«الفتوة» و«الكرنك».
مثل هاملت وماكبث والملك لير يمكن تذكر الكثير من أبطال نجيب محفوظ مثل كمال عبد الجواد وسيد الرحيمى وعيسى الدباغ وغيرهم، ويكمن السر في تذكر ملامح هؤلاء الأبطال الى قدرة محفوظ على ابداع الشخصية وكأنها منحوته قابلة للحياة، وفى كل شخصية ستجد انعكاسات لعصر بأكملة، دراما نجيب محفوظ كانت دائما وأبدا على تماس بعوالم تموج بالبشر والأحداث بالتاريخ والجغرافيا بالزمان والمكان.
مصادر :
سينماتوغراف