الفكر المصرى بين أيدولوجية التعزيز والاسقاط الدرامى


▪بدايه وفى معرض سطورى لابد أن نسلط الضوء جليا على دور الفن برمته فى فرض هوية المجتمع ، وهذا بالطبع لن يتأتى الا من خلال إبراز المحور الأساسي الذى تدور فى كنفه العلاقه الكائنه بين الفن والمجتمع وأيهما يلعب الدور الأبرز تجاه الآخر....


-مما لاشك فيه أن كلا من الفن والمجتمع يربطهما محركا واحدا يستنبطان دورهما الأساسي من خلاله الا وهو "الفرد " 


-فالفن بطبيعته وسيله للحوار الحسي بين كافة أطياف المجتمع ، والذى يستطيع من خلاله الفرد ان يبث رسائل مفهومه لكل أصناف البشريه ، دون أن تقف أمامه عثرات أو حواجز تعيقه كحواجز الزمان والمكان ، فضلا عن ذلك فإن الفن بطبيعته رساله وليده مرتبطه بحركات الفرداليوميه ،تجدها تارة فى حركاته بالمأكل والمشرب، وتارة أخرى تجدها فى علاقاته مع شركائه داخل المجتمع ، إلا أنها تختلف محورها حسب النهج والسلوك النابع من الفرد ذاته ،فقد يتبلور هذا السلوك فى شكل من أشكال الابداع الحسي وذاك هو الفن المعنى محور الإشكالية التى نحن بصددها.


-واذا كان المجتمع بطبيعته " نظاماشبه مغلقا" تشكله مجموعة من الناس، بحيث أن معظم التفاعلات والتأثيرات تتأتي من أفراد من نفس المجموعة البشرية، فإن علاقات الأفراد تلك هى فى حد ذاتها فنا تنظمه ظروف الحال وطبيعة تلك العلاقات...


..بناء على ما سبق لا نجد غضاضة اذا جزمنا يقينا بالمد الايجابى لدور الفن فى التأثير على المجتمعات " فإذا أردت أن تقيس قيمة مجتمع ما فانظر إلى فنه"..


-ولما كانت الفنون بطبيعتها تتعدد وتختلف فيما بينها، إلا أن مايهمنا فى هذا السياق هو ذاك النوع من الفن الذى يحدث الأثر الاكبر فى التأثير النفسي على كيان الفرد وفكره وينعكس بدوره على رقى وتقدم المجتمع ألا وهو " الفن المرئى والمسموع"..، 


▪وهنا يبرز تساؤلا هاما تتبلور حوله ماهيه العرض وهو " هل تلعب القوى الناعمه " الفنون" دورا هاما فى تشكيل هوية الفكر المجتمعى ؟"...


..ان الاجابه على هذا التساؤل تبرز جليا عند الوقوف على طبيعة الهدف الذى تقره الأعمال الفنيه ،فمما لا شك فيه أن احد أهم أهدافها، هو تسليط الضوء على قضايا المجتمع وما فيه من مشكلات تحتاج إلى دراسة وتوعية لأن تسليط الضوء عليها وكشف خباياها والتعرف الى أبرز نتائجها ومعرفة إفرازاتها وتجنبها يحقق مصلحة مجتمعيه عليا ...


وإزاء هذا الدور الهام للقوى الناعمه فى فرض الهويه المجتمعيه، يجب الاشاره إن هذا الدور محوره الأساسي طبيعة ما يقدم من أعمال، فطبيعة العمل ذاته تلعب الدور الأبرز فى تشكيل الفكر المجتمعى ايجابا و سلبا ، ولا اعنى قطعا بطبيعة العمل هنا فكرة العمل فحسب ، بل المحتوى العام للعمل بدء من فكرة العمل مرورا بصناعه وجميع القائمين عليه؛ وتباعا بالدور المنوط بالدولة فى توفير المناخ الخصب، من أدوات وإجراءات تسهم فى تقديم فكرة راقيه من خلال عمل مميز يعود بالايجاب مستقبلا على المجتمع ، ولنا فى قطاع الإنتاج المصرى نموذجا يحتذى به ...


▪ وإزاء البحث حيال الدور الذى تلعبه الفنون فى بذر الهويه والإطار الفكرى والقيمى المجتمعى ، يجدر بنا الأمر أن نقف برهة امام ....قول "حطان ابن المعلى" :


☆ وانما اولادنا بيننا.. اكبادنا تمشي على الارض.

☆ لو هبت الريح على بعضهم.. لأمتنعت عينى من الغمض.


- كلمات مأثوره تحمل بين طياتها عظم المكانه التى يشغلها النشأ فى المجتمع ، بل تكاد تكون حقيقة ضربت بجذورها أرض الواقع لما تمثله مكانة النشأ ،فهو طفل اليوم ورجل الغد وصانع أطر المستقبل..


-لاشك أنه فى ظل مسيرة الرخاء والتنمية التى يسوس دفتها فخامة الرئيس العظيم "عبد الفتاح السيسي" للمضى بنا قدما نحو آفاق جديده تواكب ركب الرقى والتقدم العالمى ، الأمر الذى يتحتم معه تضافر جميع الجهود لكافة مؤسسات وقطاعات الدوله للوصول بنا الى الهدف المنشود ...


- وفى ظل تلك الجهود الرائده للوصول إلى مجتمعا مثاليا على كافة الاصعده السياسيه والاقتصادية والاجتماعيه ، نجد من هم دون المستوى بذات الركب ، يحاولون بشتى الطرق إفساد ما تم بذره من محاولات للتنميه والارتقاء المجتمعى ، عامدين إلى بث سمومهم فى أروقة الفكر المجتمعى المصرى ...


- ما من شك مطلقا ، أن الفن هو البوابة الاولى للمتلقى ، و التى تنتقل بأفاقه حول العالم نحو البحث عن ثقافات جديده ، فهو بمثابة الموجه الاول للفكر المجتمعى ..


-بيد أن ماتستحوذ عليه فرائض الفن واداراته من اهتماما مجتمعيا ، قد اضحى الشاغل الاول لقياس المد الفكرى على الصعيد المحلى والدولى ، ولما لا وهى تمثل كبرى قضايا تعزيز السلوك لدى النشأ سواء بالإيجاب أو السلب خاصة إذا ما تضمن المحتوى المعروض ما يؤثر حقا على تشكيل الهوه الفكريه لهذه الفئه من الأشخاص..


- ولعل أخطر انواع الفنون ووسائلها، هو ذاك النوع الداعى إلى انحطاط القيم والتدنى الخلقى و الداعم الاول لانحراف سلوك النشأ وتعزيز سمات العنف لديه ، وهو ما يطلق عليه " العنف المتلفز" ..


- ولاشك أنه فى ظل وتيرة التقدم التكنولوجي التى تحياها البشريه ، من خلال الشبكات الدوليه للمعلومات والاتصالات ، قد فتح الباب على مصراعيه للتلفزيون ليحتل مكانة هامة فى المجتمع ، لما له من آثار ايجابيه و سلبيه على المتلقى خاصة فئة الأطفال ، حيث يمثل المعلم الأول للمحاكاه لدى هذا الفصيل ، من خلال فكرة التعلم بالملاحظه..


- وقد أكدت العديد من الدراسات البحثيه النفسيه " أن تعزيز السلوك المنحرف والذى يحوى بين طياته مشاهد العنف والقتل و التى تبثها البرامج الترفيهيه الاعلاميه أو الأعمال الدراميه، له العديد من الآثار التى تعزز الجانب السلبى لسلوك النشأ وشخصيته ، لأن مثل هذه البرامج قد تنمى مشاعر الإحباط و التى تؤدى بدورها لعدوانية السلوك" ..


▪وفى هذا الصدد يرى " باندورا" 

ان نزعه العدوان عند الأشخاص هى نزعه فطريه بطبعها ، اما ان يتم تهذيبها والحد من اثارها أو تعزيزها وبالتالى يصبح الشخص أكثر عدوانية ، فتشكل جزء من سلوكه.


- فى الحقيقه أن مادفعنا لغزل هذه السطور ، هو بيان الاثر الهام لدور الفن فى تشكيل المد الفكرى للنشأ وتعزيزه ناحية الإيجاب ، وهو ما افتقدناه جليا فى المحتوى الفنى 

المقدم فى الفترات الاخيره ، و التى تتعارض تماما مع نهج الدوله الرائد فى المضى قدما نحو سبل التنميه والرخاء والتى تشهدها مصرنا الحبيبه فى ظل قيادة حكيمة واعيه..


-ولعل السبب فى ذلك ، هو عدم قدرة القائمين على المنظومه الفنيه من ادارتها بالشكل الامثل والمطلوب والذى يتوائم مع ذات النهج المشار إليه سلفا ، اما لعدم وجود الآليات والكوادر الفكريه التى تساير ذات النهج أو لضعف قدرة المجابهه لديهم امام تيار الفضائيات الخاصه والذى القى بشباكه على المنظومة ككل ..


-ولعل فيما خرجت به الدراما المصريه علينا هذا العام فى الموسم الرمضاني ، ما يحمل فى طياته بداية النهاية لهذا المسلسل الفنى الفاشل ، فالانحراف المادى والضمني التى تدعو إليها تلك الأعمال ، تتعارض تماما مع معايير وقيم المواثيق القيميه و المفترض جدلا السعى إلى ترسيخها ، وللأسف لانجد حراكا واحدا من القائمين على هذه المنظومه لوقف بث هذه السموم ..


#ولعل النموذج الامثل الذى يحاكى ذلك ، والذى يبرز حقيقة هذا الامر ،ما يشهده المجتمع المصرى من انحدارا تاما فى المضمون والمحتوى المقدم فى العمل الدرامى الرمضاني { البرنس}



 والمنسوب للدراما جزافا ، فما يحمله هذا العمل فى طياته من ترسيخ لقيم تخالف الشرائع والأعراف من " إباحة القتل ، وزنا المحارم ، وتقطيع صلات الأرحام ، و تجارة المخدرات ..." ، قد حمل على عاتقه البحث حيال كيفية تدمير الذوق العام المصرى بألفاظا مبتذله خادشة للحياء، تحمل فى طياتها نماذجا للتحرش اللفظى والجسدى فى مشهد غريب الطله على قيم وأخلاقيات هذا الشعب العريق، مما يسهم جليا فى إسقاط الهويه الفكريه للنشأ المصرى، ويبذر بداخله الميل الدائم للانحراف السلوكى ..


 #وعلى النقيض تماما وبالعودة فى سفرة راقيه إلى نوستالجيا الزمن الجميل فى تسعينيات القرن المنصرم ، يصحبنا رائد المسرح المصرى العظيم النجم الكبير " محمد صبحى " من خلال " يوميات ونيس " إلى دراما تعزيز السلوك وتنمية الفكر وترسيخ المبادئ القويمه من خلال حلقات تتوائم تماما مع واقع الاسره المصريه ، وتلائم آليات الفكر التربوي..



 لقد استطاع "محمد صبحى " ان يرسخ خبراته العظيمه ، و يؤصل جليا لنظرة واقعيه مفادها أن الفن كرس لتجميل الواقع المجتمعى، وان العلاقة التبادلية بين الفنون كقيمة ثقافية تطرح على العامة وبين عموم المجتمع، كتجسيد حي متفاعل مع هذه القيم، يجب أن ترتقى دوما إلى أعلى ولا تنحرف أبدا ولو بقدر ضئيل إلى أسفل على كافة الأصعدة والمستويات ، لتحقيق المعادله الاصعب فى تعزيز السلوكيات القويمه والمثل الفضلى لدى النشأ ، فأستحق وعن جداره ان يوسم دائما" بمربى الاجيال الفاضل".  

  

-و لعل مايعنينا هنا حقا، هو البحث حيال مايعززه ذاك السلوك المنحرف المتلفز ،والذى يحمل بين طياته نوعا من أنواع العنف فى تعزيز آثارا شديدة السلبيه لدى فئات المراهقين والأطفال ، و التى قد ترسخ نزعة العدوان لديهم ، والذى يحمل فى طياته أيضا مايعاقب عليه القانون .


- فى الحقيقه، أن ما تشهده الساحه الدراميه المصريه فى الاونه الاخيره من إنحدارا وانهيارا تاما فى المد الثقافى المعروض ، يدعو بالضروره للتدخل السريع الحازم والعاجل لإنقاذ ماتبقى من الذوق العام المصرى ، والذى غفلت عنه تلك الكوادر و التى لا تملك من الفكر المهنى و الرقابى مايؤهلها حقا للتمييز بين ايجابية وسلبية المحتوى المعروض...


- لقد وصل الركب إلى مراتب الرياده بقيادة حكيمة واعية تدرك جليا عظم الدور المنوط بها للوصول بهذا البلد العريق للمكانة المستحقه ، وأضحى لامكان لغافل أو متقاعس فى تحقيق هذا الحلم المنشود ، فلابد أن نصطف جميعا خلف قيادتنا الحكيمه حتى نصل إلى رونق وسحر النهاية المنشوده

والمأموله لمصرنا الحبيبه ، وليذهب دعاة الهدم والتخريب 

إلى اوكارهم الحقيقيه ...



Post a Comment

Previous Post Next Post